المقالاتعام

“الفرزنة لرمضان” ظاهرة تتصدر السوشيال ميديا

مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تستعد العائلات لهذا الشهر الكريم، الذي يقبل الناس فيه على أداء الطاعات ويمتاز بأجوائه الروحانية وزيادة الاجتماعات العائلية على موائد الإفطار. واستعدادًا لهذه التجمعات والموائد، وبهدف استغلال ساعات رمضان في العبادة، تبرز عادة تجهيز وتخزين مأكولات رمضان الخاصة كالسمبوسة والمعجنات في الفريزر. ولم تعد هذه العادة مجرد وسيلة لتسهيل إعداد الطعام في رمضان، بل تحولت إلى ظاهرة اجتماعية تتصدر وسائل التواصل الاجتماعي.
الفرزنة بين الاستعداد والمبالغة
أصبح الحديث عن “مفرزنات رمضان” لا يقتصر على التجهيزات العادية كالاهتمام بحشوات اللحم أو الجبن، بل باتت بعض ربات البيوت يخصصن جهدًا ووقتًا وميزانية خاصة لهذه المهمة السنوية، بينما تبرع أخريات في إعداد الوصفات وابتكار طرق حفظ مميزة. كما شهدت هذه الظاهرة تطورًا كبيرًا في تنوع أجهزة التجميد وحاويات “المفرزنات” المستخدمة، سواء من حيث الشكل أو الحجم أو المادة المصنوعة منها، فضلاً عن انتشار أفكار جديدة لحشوات الأطعمة الرمضانية القابلة للتجميد، وحتى ظهور أجهزة وأدوات منزلية تسهّل هذه العملية.
لكن وسط هذا الاهتمام المتزايد، يبرز سؤال جوهري: هل يحقق التخزين المفرط فعلاً الهدف المنشود؟ صحيح أن كثيرًا من المحتوى المتداول حول “الفرزنة” يضفي طابع الفكاهة والمزاح—مثل وضع الأقفال على الفريزر كدلالة على قيمة الطعام المحفوظ، والمقاطع التي تظهر ربة المنزل وهي ترغم الجميع على تحضير “المفرزنات” باستخدام أدوات تهديد من المطبخ—إلا أن هذه العادة قد تحوّلت إلى مغالاة قد تؤثر على التناغم مع مقاصد الصوم العظيمة. ورغم ما تحمله من لحظات مرحة واجتماعية جميلة، يجب ألا ننسى أن الهدف الأساسي من التحضير المسبق هو التفرغ للعبادة، وليس الانشغال الزائد بتخزين الطعام.
التحديات والمخاطر المرتبطة “بالمفرزنات”
تجميد الطعام يعدّ من أفضل الطرق للحفاظ عليه لفترات طويلة، لكنه لا يخلو من التحديات. إذ يتطلب الأمر تخطيطًا دقيقًا للكميات لضمان وجود متسع للحالات الطارئة، مثل العزائم غير المتوقعة، دون التسبب في الهدر الغذائي. فالعديد من المأكولات المجمدة لا تحمل تواريخ إنتاج أو انتهاء صلاحية، مما يجعلها عرضة للنسيان، وقد ينتهي بها المطاف في سلة المهملات بعد رمضان، وهو أمر يجب الانتباه إليه للحفاظ على الموارد وتقليل الفاقد الغذائي.
إتقان التحضير للحصول على أفضل النتائج
عند إعداد “المفرزنات” للطهي، من الضروري اتباع طرق إذابة وطهي مناسبة لضمان الحفاظ على جودتها. على سبيل المثال، عند قلي الأطعمة المجمدة، يجب التأكد من إذابتها جزئيًا قبل وضعها في الزيت الساخن، لأن قليها مباشرة من الفريزر قد يؤدي إلى تناثر الزيت بشكل خطير، بينما إذابتها بشكل كامل قد يتسبب في التصاق الطعام أثناء القلي وفقدانه لقوامه المثالي.
أما عند طهي “المفرزنات” بالخبز أو الشوي، فمن المهم التحكم في درجة الحرارة ووقت الطهي، إذ إن الحرارة المرتفعة جدًا قد تؤدي إلى جفاف الطعام وفقدان نكهته. لذلك، ينبغي تحقيق توازن بين درجة الحرارة ومدة الطهي للحصول على وجبات لذيذة دون إهدار.
كما تحدد نوعية الحشوات المستخدمة في “المفرزنات” ما إذا كان يمكن إعادة تجميدها بعد الإذابة دون فقدان الجودة أو التعرض لمخاطر صحية. فإعادة التجميد لبعض الأطعمة، خاصة اللحوم والدواجن، قد تؤدي إلى نمو بكتيري ضار، لذا يجب توخي الحذر عند التعامل مع هذه الأطعمة لضمان سلامتها وجودتها.
إعادة التفكير في عادات التخزين والطهي في رمضان
تحضير الطعام وتخزينه ليس مجرد عادة، بل هو جزء من طقوس رمضان، لكنه يحتاج إلى وعي واعتدال. فالإفراط في التخزين قد يؤدي إلى نتائج غير مرضية، سواء على المستوى الصحي أو البيئي. من الأفضل اعتماد نظام تخزين متوازن، بحيث يتم تحضير الكميات التي تكفي للاستهلاك الفعلي دون مبالغة، مما يضمن سهولة إدارة المطبخ ويمنح المزيد من الوقت للعبادة والأجواء الرمضانية الروحانية.
وأخيرًا، دعونا نحرص على أن تكون استعداداتنا لرمضان وسيلة للتفرغ للعبادة، لا سببًا للانشغال عنها.
ولقد تعمدت عدم الاسهاب في هذا المقال، كي اتفرغ انا أيضا “للفرزنة” خاصتي!

* استاذ مساعد التغذية والعلوم النفسية
جامعة الملك عبدالعزيز
@duaa|_saleh

د. دعاء صالح الطويرقي

أستاذ مساعد التغذية والعلوم النفسية - جامعة الملك عبدالعزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى