لدي صديق أراد السفر إلى الرياض للعلاج، لكنه اضطر إلى إلغاء الفكرة بسبب ارتفاع أسعار الشقق المخدومة، كما أوضح لي. وهو ما لاحظته شخصيًا العام الماضي أثناء زيارتي للرياض، حيث وجدت أن العديد من الشقق في حي الروضة، والتي كنت أعرفها، كانت مغلقة، والمتاح منها أسعاره مرتفعة على غير المعتاد.
أوضح لي أحدهم أن سبب الإغلاق يعود إلى شروط وزارة السياحة، التي تتطلب حراسات أمنية وعمالة إضافية، رغم أن المبنى مزوّد بكاميرات مراقبة، وبه موظف استقبال، فضلًا عن التكاليف التشغيلية المرتفعة، مثل الإيجارات، واستهلاك الماء والكهرباء، مما يشكّل عبئًا ماليًا لا يمكن تعويضه مع إقبال محدود.
كنت قد تناولت هذا الموضوع في مقال سابق بتاريخ 31/01/2024 بعنوان “حتى لا تكون أزمة سكن”، عندما منعت وزارة السياحة عرض المباني في مكة المكرمة، والمصرّح بها من لجنة إسكان الحجاج، للإيجار اليومي أو الأسبوعي. وقد فُرضت غرامات على المخالفين، رغم أن شهر رمضان كان على الأبواب، والموسم موسم إجازات، والطلب مرتفع.
نظرًا لاستمرار المنع حتى الآن، فإن ذلك قد يتسبب في أزمة للقادمين إلى مكة والمدينة، خاصة وأن غالبية سكان المملكة يتجهون لأداء العمرة والسكن بمكة، أو للزيارة في المدينة.
وهنا يبرز السؤال:
هل يمكن للعمائر المرخصة حاليًا تلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من الوافدين، وبأسعار معقولة؟
إن كان الجواب لا، فلماذا لا يتم السماح لمباني إسكان الحجاج بالعمل خلال المواسم التي تكون فيها خالية، ما دامت مهيأة للسكن ومصرّح لها، مراعاةً لزوار مكة والمدينة، ومعظمهم من محدودي الدخل؟
إذا أردنا للسياحة الداخلية أن تنتعش، وأن تكون في متناول الجميع، فمن الضروري أن تتم مراجعة الشروط الحالية، بحيث يكون قانون العرض والطلب هو الفيصل، مما يحقق التنافس، ويمنح المواطن حرية اختيار المكان والسعر المناسب لميزانيته.
إن فرض قيود مشددة على الإسكان قد يؤدي إلى:
1. شح المعروض السكني، مما يرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه.
2. إحجام الكثيرين عن السفر بسبب ارتفاع التكاليف.
3. ضعف التواصل الاجتماعي، وانخفاض الإقبال على السياحة الداخلية.
بدأت الوزارة في السماح لبعض الوحدات السكنية الخاصة داخل المباني بالتأجير الفندقي كحل بديل، ولكنني أرى أن هذا أمر سلبي من الناحية الأمنية، كما أنه مزعج للسكان.
لذا، فإن تعديل الاشتراطات للمباني الراغبة في الحصول على تصريح سيسهم في:
• زيادة عدد الشقق المتاحة.
• خلق منافسة تؤدي إلى انخفاض الأسعار.
• تشجيع السياحة الداخلية والتزاور بين الأسر.
أما من يرغب في تصنيف منشأته بدرجة أعلى وخدمات مميزة، فبإمكانه الالتزام باشتراطات إضافية تلبي احتياجات الفئة الراغبة في الرفاهية، بينما من يريد تقديم خدمات بأسعار أقل، فله الحرية في ذلك، وللمواطن حق الاختيار وفق إمكانياته.
لقد مررتُ بتجربة شخصية قبل سنوات، عندما رغبت بالسفر إلى أحد المصايف المحلية، فوجدت أن تكلفة الرحلة إلى الخارج كانت أقل وأجمل مقارنة بأسعار الإقامة في الداخل! وهذا هو التحدي الذي قد يتكرر الآن، إذا لم تتم معالجة مشكلة ارتفاع أسعار الشقق المخدومة.
من المهم أن يتم ربط الشقق المخدومة والمباني السكنية بالجهات الأمنية، وأن تشملها المسح الأمني، لضمان سلامة النزلاء والمصلحة العامة.
والله من وراء القصد.
• مدير شرطة العاصمة المقدسة – سابقًا