المقالات

ريادة إنسانية سعودية تعيد رسم معالم العطاء العالمي

كانت مناسبة سعيدة اليوم 25 فبراير 2025 ان اكون ضمن المشاركين في منتدى الرياض الدولي الإنساني في دورته الرابعة، والمنعقد تحت شعار : “استكشاف مستقبل الاستجابة الإنسانية”، برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة
الرياض، إلى جانب عدد كبير من المسؤولين والدبلوماسيين وممثلي المنظمات الإنسانية الدولية.
كان المنتدى بمثابة منصة حية عكست ريادة المملكة العربية السعودية في العمل الإنساني العالمي، حيث شاهدت عرضًا شاملًا لجهود المملكة الممتدة عبر العقود لدعم المحتاجين والمتضررين حول العالم، إذ تجاوزت قيمة المساعدات السعودية 133 مليار دولار أمريكي خلال الخمسين عامًا الماضية، واستفادت منها أكثر من 172 دولة، ما يعكس التزامًا إنسانيًا يتخطى الجغرافيا والثقافات.
برز خلال المنتدى الدور المحوري الذي يلعبه مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي احتفى بمرور عشرة أعوام على تأسيسه، بعد تنفيذ أكثر من 3,355 مشروعًا إنسانيًا في 106 دول بتكلفة تجاوزت 7.3 مليارات دولار أمريكي.
كما عاينت بالصوت والصورة كيف تميز المركز بتوسيع جهوده التطوعية، حيث نفذ 876 مشروعًا في 52 دولة، معززًا شراكاته مع 466 منظمة محلية ودولية، مما مكّنه من تعزيز الاستجابات الإنسانية وتوسيع نطاق تأثيرها.
خلال فعاليات المنتدى، تم توقيع أربع اتفاقيات دولية بارزة تعزز مسيرة العطاء السعودي، من بينها اتفاقية مع منظمة الصحة العالمية بقيمة 300 مليون دولار لدعم جهود القضاء على شلل الأطفال، وأخرى مع منظمة اليونيسف بقيمة 200 مليون دولار للهدف ذاته، إضافة إلى اتفاقية مع البنك الإسلامي للتنمية لدعم صندوق العيش والمعيشة بمبلغ 100 مليون دولار، وأخيرًا اتفاقية مع برنامج الأغذية العالمي لتوزيع 100 ألف طن من التمور في 30 دولة، ما يعكس رؤية متكاملة تجمع بين الدعم الإنساني والغذائي والصحي. من خلال متابعتي للمنتدى ،تبين لي ان الدبلوماسية الإنسانية السعودية هي اختيار سياسي دأبت عليه القيادة منذ عقود يتجاوز تقديم المساعدات، ليقود جهود الوساطة وحل النزاعات، مما يضمن وصول الإغاثة إلى مستحقيها.
شاهدتُ مثالًا بارزًا على ذلك في جهود المملكة خلال الأزمة السودانية، حيث قادت الوساطة وأشرفت على تنفيذ أول عملية إجلاء بحري لعالقين من السودان، ما أسهم في إنقاذ أكثر من 8,400 شخص من 110 دول، مؤكدة بذلك قدرتها على الجمع بين الدورين الإنساني والدبلوماسي.
كما أظهرت المملكة التزامها بالمبادرات النوعية مثل مشروع “مسام” لنزع الألغام في اليمن، الذي نجح منذ انطلاقه عام 2018 في إزالة أكثر من 430 ألف لغم، مسهمًا في إنقاذ الأرواح وتخفيف معاناة المدنيين في المناطق المتضررة.
ما لفت انتباهي في هذا المنتدى ، حجم التنوع في الأفكار والرؤى المطروحة لاستشراف مستقبل العمل الإنساني، مع التركيز على تطوير استراتيجيات مبتكرة ومستدامة تستجيب للمتغيرات العالمية، خاصة مع تزايد الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة.
ناقشت الجلسات سبل تعزيز التعاون الدولي، وتوظيف التقنيات الحديثة لتحسين كفاءة الاستجابات وتقليل الفجوة بين الاحتياجات الإنسانية والموارد المتاحة، وهو توجه يؤكد وعي المملكة بأهمية الجمع بين العطاء الإنساني والرؤية الاستراتيجية.
المملكة العربية السعودية، التي جعلت من العمل الإنساني جزءًا لا يتجزأ من سياستها الخارجية، تواصل اليوم تعزيز مكانتها كدولة مانحة رائدة، تجمع بين الدعم السخي والنهج الاستراتيجي لضمان استدامة المساعدات وفعاليتها.
خرجت من هذا المنتدى بشعور من الفخر والامتنان لما تبذله المملكة الشقيقة من جهود جبارة تخفف معاناة الملايين حول العالم، مؤكدة أن العطاء السعودي ليس مجرد دعم مادي بل موقف و رؤية إنسانية متكاملة، تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة لتكرّس مبادئ التضامن والكرامة الإنسانية.

حذامي محبوب

صحفية تونسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى