المقالات

المنتدى السعودي للإعلام.. حيث يُصنع المستقبل وتُروى الحكايات.

أسدل الستار على المنتدى السعودي للإعلام، لكن أصداءه ما زالت تتردد، وصوره ما زالت نابضة بالحياة، وكلماته ما زالت تفتح نوافذ الفكر والتأمل. لم يكن المنتدى مجرد لقاء عابر، ولا تظاهرة إعلامية تنتهي بانطفاء الأضواء، بل كان حدثًا يعيد رسم المشهد، مساحة تتداخل فيها التقنيات الحديثة مع القيم الصحفية، وتلتقي فيها الرؤى العميقة مع الإبداع المتجدد.
في الرياض، حيث يعانق التاريخ ملامح الغد، اجتمع صُنّاع الكلمة والصورة ايام ( 19-20-21 فبراير من هذا العام )، لم يأتوا لمجرد تبادل النقاشات ولا استعراض المستجدات، بل جاؤوا لأن الإعلام لم يعد وسيطًا جامدًا ينقل الخبر فحسب، بل بات قوّة دافعة تُشكل الوعي، وتصنع الاتجاهات، وتخطُّ معالم المستقبل.

لم تكن أيام المنتدى مجرد محطات من الجلسات والحوارات، بل كانت نبضًا يُشعل العقول، يوقِظُ الأسئلة، ويفتح آفاقًا جديدة. كانت القاعات تضُجُّ بالأفكار، تَتردد فيها أصوات الخبراء والمبدعين، وتتلاقح فيها التجارب التي صنعت من الإعلام أداة للتأثير لا مجرد ساحة للمنافسة. لم يكن الأمر يتعلق فقط بالتقنيات المتقدمة أو الاستراتيجيات الإعلامية الباردة، بل كان حديثًا عن جوهر المهنة، عن مسؤولية الكلمة، عن القصة التي تستحق أن تُروى، وعن الحقيقة التي لا يجب أن تضيع وسط الضجيج. وحين تحدث معالي وزير الإعلام، الأستاذ سلمان بن يوسف الدوسري، لم يكن يخاطب فقط الحاضرين، بل كان يضع رؤية متكاملة لمستقبل الإعلام في المملكة، حين قال: “رسالتنا في المملكة أن نبني الإنسان، نلهم العالم، ونصنع المستقبل.” لم تكن مجرد عبارة، بل كانت جوهر الحكاية التي يرويها المنتدى، عنوانًا لمسار إعلامي لا يواكب فقط، بل يقود، لا يستهلك فقط، بل يبدع، لا ينقل الخبر فقط، بل يصنعه.

في كل زاوية، في كل حديث جانبي، كانت تتشكل ملامح عالم جديد، عالم لا يكفي أن تكون فيه شاهدًا، بل يجب أن تكون فاعلًا، مؤثرًا، ومبتكرًا. الصحفي الذي يبحث عن الحقيقة وسط زحام المعلومات، المراسل الذي يروي القصة من قلب الحدث، المحرر الذي يعيد صياغة العالم في كلمات، والمبتكر الذي يدرك أن المستقبل لم يعد حكرًا على المؤسسات التقليدية، بل هو مفتوح لمن يملك الشغف، لمن يجرؤ على كسر المألوف، لمن يؤمن بأن الكلمة يمكن أن تكون شرارة تغيير، وأن الصورة يمكن أن تصنع وعيًا جديدًا.

وحين تجولت العيون بين أروقة معرض “مستقبل الإعلام” (FOMEX)، لم تكن الشاشات العملاقة أو أحدث تقنيات الإنتاج الرقمي هي ما خطف الأنظار، بل كانت وجوه الشباب السعوديين الذين يقفون خلف هذه المشروعات، بأحلامهم التي تتجاوز الحدود، ورؤاهم التي ترسم ملامح مرحلة جديدة. لم يعد الإعلام مجرد مهنة تقليدية، ولم تعد الكاميرا مجرد أداة توثيق، بل أصبحت نافذة لرؤية العالم بشكل مختلف، لصياغة الحاضر بأساليب مبتكرة، ولإعادة تعريف دور الإعلام في بناء المجتمعات وصناعة التحولات.

وحين انتهى المنتدى، لم يكن مجرد حدث يُغلق أبوابه، بل كان نقطة انطلاق، وعدًا بأن الإعلام السعودي لم يعد متلقيًا، بل صانعًا للأحداث، لم يعد هامشًا في معادلة التأثير، بل بات في صميمها، منصةً تستقطب، ورؤيةً تلهم، ومشروعًا يرسّخ موقع المملكة في المشهد الإعلامي العالمي. لم يكن المنتدى مجرد جسر بين الأجيال والتقنيات، بل كان مساحة لاكتشاف الذات الإعلامية، لإعادة تعريف الرسالة، ولتأكيد أن الإعلام ليس مجرد وسيط، بل هو قصة، وحلم، ومسؤولية. وهكذا، حين بدأت الأضواء تخفت، والشاشات تُطفأ، وحين عاد كل إعلامي إلى بلاده أو مؤسسته، لم يكن الأمر مجرد نهاية، بل بداية لحكاية جديدة، لحظة إدراك أن الإعلام لم يعد يقتصر على نقل الأخبار، بل هو جزء من صناعتها، وأن الرياض لم تستضف منتدى إعلاميًا فحسب، بل رسمت ملامح المستقبل، وكتبت سطورًا جديدة في سجلّ الإعلام العالمي.

حذامي محبوب

صحفية تونسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى