المقالات

أهلاً يا رمضان

مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يتجدد في قلوب المسلمين الأمل والتفاؤل، وتغمرهم مشاعر الفرح والاستعداد لاستقبال هذا الشهر الكريم. إن رمضان ليس مجرد فترة صيام، بل هو فرصة عظيمة للتوبة والتغيير، شهر يتجلى فيه البر والرحمة من الله سبحانه وتعالى، ويمنح المسلم فرصة لتقويم نفسه، والتقرب إلى الله بكل ما هو صالح.
فرمضان هو شهر تفضله الله تعالى على سائر الأشهر، وجعل له مكانة عظيمة في الإسلام. فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”. وهذه العبارة تحمل في طياتها دلالة كبيرة على مكانة الصيام وخصوصيته، حيث يختص به الله سبحانه وتعالى دون سائر الأعمال. فالصوم في رمضان ليس فقط عن الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو فرصة لتطهير النفس من الذنوب، وتحقيق التقوى.ففي هذا الشهر، يفتح الله أبواب رحمته، وتزداد الأعمال الصالحة في ميزان المؤمن، وتغفر الذنوب إذا أخلص العبد في التوبة والتقرب إلى الله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”. لذلك، يعد رمضان بمثابة فرصة ذهبية للتعويض عن تقصيرنا في عباداتنا في الأشهر الماضية، والبدء من جديد بعزيمة وصدق. في هذا الشهر الفضيل، يجب أن يتوجه المسلم إلى الأعمال الصالحة بشكل أكبر، بدءًا من التوبة النصوح. فالله سبحانه وتعالى يحب التائبين، ومن أبرز معاني الصيام هو العودة إلى الله والاعتراف بالتقصير. فعلى المسلم أن يخلص في توبته، ويعزم على التغيير والابتعاد عن المعاصي، والتوجه إلى الله بالدعاء والتضرع.فمن الأعمال المباركة التي يمكن أن يكثر المسلم منها في رمضان هي الصدقات. فقد جعل الله في هذا الشهر فرصة عظيمة للمساهمة في مساعدة المحتاجين والفقراء، وذلك من خلال إخراج الزكاة أو التصدق بمبالغ بسيطة قد تكون سببًا في إسعاد قلب مسلم آخر. إن الإحساس بالآخرين، ومساعدة من هم في حاجة، هو أحد أروع مظاهر الإيمان، ولا شك أن رمضان هو أفضل وقت لمضاعفة هذه الأعمال الخيرية. كذلك صلة الأرحام من الأعمال المهمة التي يجب على المسلم أن يوليها اهتمامًا خاصًا في رمضان. فرمضان فرصة لإصلاح العلاقات مع الأهل والأقارب، وزيارتهم، والإحسان إليهم. إن صلة الرحم من أعظم الأعمال التي يحبها الله، وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في أكثر من حديث. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُبارك له في عمره، فليصل رحمه”.
وعلى الرغم من أن رمضان هو شهر العبادة والطاعة، إلا أنه للأسف شهد في بعض الأحيان إسرافًا في الطعام والشراب، سواء عند الإفطار أو السحور. يجد بعض المسلمين أنفسهم منغمسين في تحضير الطعام بكميات ضخمة، مما يؤدي إلى تبذير الأموال واستهلاك كميات كبيرة من الطعام بشكل غير مبرر. إن هذا البذخ يتنافى مع روح رمضان، الذي يهدف إلى التقشف والتواضع، ويعزز من الشعور بالتكافل الاجتماعي والتعاون.
عوضًا عن الإسراف، يجب أن نركز على تنظيم طعامنا بحيث لا نبالغ في الكميات، ونتذكر أن رمضان هو فرصة لزيادة الوعي بالقيم الإسلامية التي تركز على الاعتدال. يجب أن نتذكر أن هدف الصيام ليس التمتع بالمأكولات، بل هو تدريب للنفس على ضبط الشهوات، والابتعاد عن الترف.
رمضان ايها القراء الأفاضل هو فرصة للمسلم لتعويض ما فاته من تقصير في حق الله، وذلك عبر مضاعفة الأعمال الصالحة. ويُستحب في هذا الشهر الكريم الإكثار من قراءة القرآن الكريم، والاستغفار، والقيام بالأعمال الخيرية، والتهجد في الليل. إن كل لحظة من لحظات رمضان تعد فرصة عظيمة لتقوية الإيمان، وتدعيم العلاقة بالله عز وجل.
فالقيام في الليل، سواء بالصلاة أو بتلاوة القرآن، يعد من أعظم الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله في هذا الشهر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”. كما أن رمضان يعد فرصة مثالية للتغيير الروحي والنفسي، حيث يمكن للمسلم أن يعمل على تصفية قلبه من الغل والحقد، ويحرص على توطيد العلاقات الطيبة مع الآخرين.
ختاما، اقول إن رمضان هو شهر العطاء والرحمة، شهر كريم من رب كريم. إنه شهر يغسل النفوس، ويطهر القلوب، ويمنح المسلمين فرصة عظيمة للتوبة والتقرب إلى الله. فالله تعالى يفتح لنا أبواب المغفرة، ويمنحنا فرصة لإصلاح ما فسد، ولتعويض تقصيرنا في عباداته. علينا أن نستغل رمضان في ما يقربنا من الله، وأن نتجنب الإسراف في الطعام والشراب، وأن نركز على الأعمال الصالحة التي تعود بالنفع علينا في الدنيا والآخرة. فلنحرص على أن يكون هذا الشهر بداية جديدة لنا، نملؤه بالأعمال الطيبة، والتوبة الصادقة، ونعمل على تطوير أنفسنا في كافة جوانب حياتنا.
اللهم بلغنا رمضان، واجعلنا من عتقائه من النار، آمين.

•أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى