أراد الحلفاء في مؤتمر يالطا 1945 على البحر الأسود في روسيا منع تكرار ما حدث من دمار في الحرب العالمية الثانية، اجتمع الذين عرفوا بالثلاثة الكبار الأمريكي، فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والسوفيتي ستالين، كان الهدف وضع أساس لنظام سلمي حقيقي لمرحلة ما بعد الحرب، لكن بعد عامين فقط أعلن الرئيس الأمريكي تبني سياسة خارجية أمريكية مقرونة بالقوة العسكرية لمواجهة التوسع الجيوسياسي السوفيتي في جميع أنحاء العالم عرفت بمبدأ ترومان اتهم تشرشل وروزفلت بأنهما قدما تنازلت كبيرة لستالين في يالطا فيما يتعلق بأوروبا الشرقية، كان أبرزها أزمة صواريخ كوبا عام 1962 سحبت موسكو صواريخها بعدما تعهدت واشنطن بعدم غزو جارتها كوبا وسحبت لاحقا صواريخها من تركيا، إلى أن أتت نهاية الحرب الباردة وعادت أوروبا الشرقية إلى أوروبا التي ظلت لمدة أربعة عقود تحت الهيمنة السوفيتية، في مالطا 3، 4 ديسمبر 1989 عقده الرئيسان غورباتشوف وجورد بوش الأب على متن باخرة سوفياتية مكسيم غوركي الإعلان الرسمي عن إنهاء الصراع بينهما، مع تخفيض الأسلحة النووية والكيماوية، والتعاون بينهما لإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
كان اختيار السعودية بعدما رفض ترمب اختيار سويسرا أو أي بلد آخر يعتبره بوتين بلد غير محايد خصوصا وأن الأمير محمد بن سلمان بنى علاقة مميزة مع بوتين كما مع ترمب تركز على أولوية مصالح السعودية خصوصا وأن السعودية وقفت أمام مجموعة السبع عندما أرادت استخدام أموال روسية مجمدة في شراء أسلحة لأوكرانيا وفي نفس الوقت قدمت دعمها الإنساني لأوكرانيا وصوتت في مجلس الأمن ضد روسيا لكنها رفضت المشاركة في فرض عقوبات على روسيا.
أحد أهم أهداف واشنطن فك التحالف الروسي مع الصين عكس زيارة نيكسون الذي كان يرافقه كيسنجر لبكين عام 1973 لابتعاد بكين عن موسكو، وخاض كيسنجر في نزاعات الحرب الباردة مثل حرب فيتنام 1950-1975، وحرب أكتوبر 1973.
أثبتت أمريكا لروسيا وأوروبا أنها قادرة على تحييد طموحات الدب الروسي، وفي نفس الوقت ان أوروبا غير قادرة على حماية نفسها دون الولايات المتحدة، كذلك تدفع أوروبا ثمن خطأ وقوفها خلف الإدارة الأمريكية وساندت الديمقراطيين بدلا من تحقيق التعاون الجيوقتصادي الآسيوي.
وصف بوتين نتائج اجتماع الرياض بالإيجابية، كما كشف مستشار الأمن القومي الأميركي الذي قاطع المؤتمر الصحفي وشكر السعودية على استضافتها هذا اللقاء بين القوتين العالميتين، وصرح أن الرئيس الفرنسي ماكرون سيزور واشنطن وسيكون رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر موجودا في واشنطن أثناء زيارة ماكرون تأتي تلك الزيارات بعدما فجأ ترمب حلفاءه الأوروبيين بالاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والاتفاق على بدء مفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بعد عقد مسؤولين أميركيون وروس مباحثات في الرياض في 19/2/2025 من دون دعوة أوكرانيا أو أي دولة أوروبية أخرى، ووصف ترمب زيلينسكي بأنه ديكتاتور بلا انتخابات، وأكد عليه التحرك بسرعة وإلا فلن يتبقى له بلد وذلك بعدما قال زيلنسكي إن ترمب وقع في فقاعة تضليل روسية.
هناك خلل سيصيبان التحالف الأمريكي الأوروبي التقليدي، خصوصا بعدما صرح نائب ترمب فانس في ميونخ للأمن أثار قلقا في باريس من توجه الولايات المتحدة التي ترى أن الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية وركيزة أجندتهم الأمنية والوطنية والاقتصادية لصالح استراتيجية عدوانية مؤيدة للنمو والمنافسة، ووجه فانس نقده للأوربيين وضع قيود مفرطة على هذا النوع من التكنولوجيا الحديثة، وأن هناك تراجع عن حرية التعبير، واعتبر أن التهديد من الداخل الأوربي وليس من روسيا ولا الصين نتيجة تراجع أوروبا عن بعض قيمها الأساسية، بل وأزعج الأوربيون عندما أيد الحزب اليمني حزب البديل من أجل ألمانيا اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس تدخلا في الانتخابات الألمانية، البيت الأبيض يعمق الشعور بأن أهداف القارة العجوز ومصالحها لا تتطابق تماما مع أهداف مصالح واشنطن، ولن تشارك أمريكا بقوات في أوكرانيا بل على الأوروبيين إرسال قواتهم للفصل بين الجانبين، ووزير الدفاع الأمريكي أعلن أن أي مفاوضات مع روسيا لن تكون قبل 2014 وفق السياسة الواقعية، وروسيا تحدد أولوياتها إنهاء الحرب، حياد أوكرانيا وأمن شامل لأوروبا.
أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا Dr_mahboob1@hotmail.com