
في زمن أصبحت فيه الإثارة الإعلامية معيارًا للنجاح، والبحث عن الشهرة هدفًا يطغى على المضمون، هناك من يختار الطريق الصعب، حيث تبقى القيم والمبادئ أساسًا لمهنة الصحافة. الإعلامية والكاتبة التونسية حذامي محجوب واحدة من هؤلاء الذين لم يساوموا على المضمون من أجل الأضواء، فاختارت العمق الفكري بدلاً من الإثارة، وفضلت التحليل الجاد بدلاً من العناوين الصاخبة.
في هذا اللقاء، نغوص مع حذامي محجوب في رحلتها الصحفية، التي بدأت بموقف غير عادي في مقبرة للنصارى، حيث اكتشفت شغفها باللغة والمعاني، لنراها اليوم واحدة من أبرز الأسماء التي تجمع بين الصحافة والتحليل الجيوسياسي. تحدّثنا عن التحديات التي واجهتها في عالم الصحافة، حيث رفضت التنازل عن القيم مقابل الشهرة السريعة، كما تشاركنا رؤيتها حول دور الصحفي في مواجهة الضغوط السياسية والمالية التي تهدد استقلالية الإعلام.
في هذا الحوار، تضع حذامي محجوب النقاط على الحروف، وتؤكد أن الصحافة ليست مجرد أداة لنقل الأخبار، بل مسؤولية فكرية تهدف إلى بناء وعي حقيقي، لا مجرد إثارة آنية.
•كيف تقدمي نفسك للقراء؟
حذامي محجوب هي امراة تونسية : زوجة وأم .تعشق الثقافة والفنون والذكاء. أجد في المعرفة شغفي الأول، فهي بوابتي لفهم الكون والإنسان والانفتاح على تنوع الأفكاروالثقافات. أحب الكونية وأؤمن بأن الفكر لا يعرف حدودًا؛ أبحث دائمًا عن القيم الإنسانية المشتركة التيتربطنا كبشر. – في عملي الصحفي، أستخدم قلمي ليس فقط لنقل الحقيقة، بل لفتح مساحات حوارتتجاوز الحدود وتخاطب عمق الإنسان.
• متى كانت أول مرة شعرتِ فيها بشغف الكتابة؟ وكيف كانت بدايتك في المجال الصحفي؟
–اول مرة شعرت فيها بشغف الكتابة كانت في سن السادسة من عمري.حكاية طريفة ولكني مازلتاذكرها بتفاصيلها :
أنا من منطقة تونسية على البحر هي سوسة ورغم اني عشت في العاصمة تونس كانت عائلتي تقضيعطلة الصيف في سوسة على البحر .. كانت غير بعيدة عن بيتنا مقبرة للنصارى وكانت مغلقة إلا انها كانتمثيرة للفضول لانها حديقة أزهار وفيها رسوم ومغلقة اي غير مفتوحة مما جعلها مثيرة للفضول ، وكنتاحلم بالدخول لها وفي يوم ما دفعتني شقاوة الأطفال إلى ان اقفز فوق سورها في غفلة عن الحارس ،فسقطتُ ووقعتُ على قبر صغير كُتب عليه بالفرنسية: “ وردة ماتت ،ولم تعش غير عمر الورود “ معتاريخ .
اندهشت ساعتها امام جمال هذا التشبيه، اكتشفت تلك اللحظة شغفي بالمعاني وبجمال اللغةوبالرمزية.
اما عن الكتابة الصحفية فعندما كنت في الثانوي كنت دائما اكتب خاصة عندما اشعر بالظلم ، اومساندة لمن يقع عليه الظلم …اخط ما اشعر به وما اريد ان اقوله وابعثه إلى الصحف المحلية ثم ولعتبتفسير الاحداث والوقائع واصبحت أراسل الجرائد العربية والفرنسية ،وافرح في ذلك السن بالنشر ،
، وكان العديد من أساتذتي آنذاك يقرؤون ما اكتب ويثنون على كتاباتي . هذا الاعتراف زادني تحفيزا فيتلك السن .
• ما أبرز التحديات التي واجهتك في مسيرتك الصحفية؟ وكيف تغلبتِ عليها؟
ابرز التحديات التي واجهتني في مسيرتي الصحفية هي الالتزام بالمبادئ:عندما تعزم على بناء مسيرةقائمة على التمسك بالمضمون والفكر فإن ذلك ليس سهلا وله ثمن.
- في عالم الصحافة، حيث يغلب الاستعراض ويصبح السعي وراء الشهرة هدفًا للكثيرين، كاناختياري دائمًا واضحًا: الابتعاد عن السطحية والتركيز على المضمون والفكر والعمق. لم يكن هذاالقرار سهلًا، خاصة مع الإغراءات التي تأتي في صورة عروض إشهارية وفرص للظهور الإعلامي البراق،والتي غالبًا ما تكون مشروطة بالتخلي عن جزء من القيم المهنية أو الانخراط في نهج استعراضييهدف إلى تحقيق الشهرة على حساب الجوهر.
- منذ بداياتي، كنتُ أؤمن بأن الصحافة الحقيقية لا تُقاس بعدد المشاهدات أو بحجم الضجيجالإعلامي، بل بمدى تأثيرها في تشكيل الوعي ونقل الحقيقة وتحليل الأحداث بعمق ومسؤولية. لهذا، كنتُ دائمًا حريصة على أن أكون صوتًا للفكر الجاد، بعيدًا عن الإثارة الفارغة أو السطحية التيأصبحت تهيمن على بعض المنصات الإعلامية.
- لقد تلقيتُ على مدار مسيرتي العديد من العروض التي كان من شأنها أن تضمن لي شهرة أسرعوانتشارًا أوسع، لكنها كانت تتطلب تقديم تنازلات في المحتوى أو المساهمة في خلق مادة إعلاميةخفيفة لا تحمل قيمة فكرية حقيقية. كنتُ أدرك أن الاستسلام لهذه المغريات قد يحقق مكاسبآنية، لكنه على المدى البعيد يسلب الصحفي هويته ويجعله مجرد أداة في آلة إعلامية لا تهتم إلابالأرقام، لا بالمعرفة.
- التمسك بالمبادئ في مهنة مثل الصحافة يتطلب صبرًا وعزيمة، خاصة عندما ترى آخرين يختارونالطريق الأسهل ويحصدون الأضواء سريعًا. لكني كنتُ وما زلتُ أؤمن بأن التأثير الحقيقي لا يُقاسبالضجيج، بل بالقدرة على إحداث تغيير فكري وثقافي، حتى لو كان بطيئًا. الصحافة بالنسبة ليليست عرضًا استعراضيًا، بل مسؤولية فكرية وأخلاقية، ولهذا فضّلتُ دائمًا الطريق الصعب، لأنهالطريق الذي يبني الصحفي الحقيقي والذي يبقى عندما تخفت كل الأضواء .
• كيف ترىين تطور أسلوبك الصحفي والكتابي منذ بدايتك حتى الآن؟
بدأت رحلتي في الكتابة من أبواب واسعة، حيث تناولت مختلف المواضيع، بمن القضايا الاجتماعيةوالترفيهية إلى الموضة والتربية والثقافة والعلوم قبل أن أتعمق أكثر في الشأن السياسي. ومع مرورالوقت، لم يكن تطور أسلوبي مجرد انتقال من موضوع إلى آخر، بل كان رحلة نحو رؤية أكثر عمقًا وتحليلًاللأحداث، مدفوعة بتكويني الفلسفي واهتمامي بالتحليل النقدي.
عندما أصبحت رئيسة تحرير، وجدت نفسي أكثر انجذابًا لكتابة مقالات الرأي والافتتاحيات، ليس فقطلإبداء وجهة نظر، بل لطرح القضايا من زوايا غير تقليدية، تثير النقاش وتفتح المجال لحوار اجتماعيأوسع. رؤيتي الفلسفية منحتني القدرة على تفكيك الأحداث وربطها بسياقاتها الأعمق، بعيدًا عنالمعالجات السطحية أو السرد المباشر. وهذا ما جعل مقالاتي مختلفة عمّا هو سائد، حيث لا أكتفيبعرض الحدث، بل أسعى إلى استقراء دلالاته واستكشاف تأثيراته على المستويات المختلفة، مما يساهمفي إحداث حراك فكري يتجاوز مجرد نقل المعلومة إلى بناء وعي أكثر عمقًا وشمولًا
.
• هل كان هناك شخص أو حدث معين أثر في توجهك الصحفي؟
الشخص الذي اثر في مسيرتي الصحفية بطريقة غير مباشرة هو والدي –رحمه الله– بدون منازع : 1- كانابي مثقفا من خريجي جامع الزيتونة المعمور جمع بين تعاليم الدين والحداثة وعندما كنت طفلة كانيجلب الجرائد والصحف والكتب ويطلب مني قراءتها ويناقش معي قضايا سياسية واجتماعية وثقافية. فتح عيناي على عالم السياسة وعلى تقلباتها ومخاطرها .
تأثرت كذلك بالعديد من الفلاسفة الذين اهتموا بالشأن العام من أمثال ميشال فوكو وامبرتو ايكو وكامووغيرهم..
اما الصحفي الذي رافق مسيرتي الإعلامية في تونس فهو الاستاذ ابو بكر الصغير كاتب ومحلل سياسي ،هو شخصية اعلامية لها تجربة طويلة وعميقة في الصحافة .
مثقف وراقي في تعامله، شجعني وفتح لي مجالات عديدة (حوارات تلفزية وإذاعية مع شخصياتسياسية ودبلوماسية)، رافقته كمحللة سياسية لفترة ما في برنامج تلفزي يومي لاقى استحسانا لانه كانمنبرا لحوار مدني .
• ماهو أبرز تحول لك في مسيرتك الإعلامية؟
ان أحد أبرز التحولات في مسيرتي الإعلامية هو قراري بإنشاء صحيفة مستقلة وحرة، تحمل رؤية واضحة: التقريب بين المواقف عبر الدبلوماسية الثقافية وتعزيز الحوار البناء .لم يكن هذا القرار مجرد خطوةمهنية، بل كان التزامًا عميقًا بالقيم التي أؤمن بها، وسعيًا لإحداث تأثير حقيقي من خلال القوة الناعمة.
أنا أؤمن بالقوة الناعمة، تلك القدرة على التأثير التي لا تعتمد على الإكراه، بل على نشر الأفكار والثقافةوالمعرفة. في مشهد إعلامي غالبًا ما يكون مستقطبًا وخاضعًا لضغوط المصالح، أردت أن أؤسس منبرًاإعلاميًا حرًا، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والتوجهات المفروضة من قبل أصحاب المؤسسات الإعلاميةالكبرى. لقد كان هدفي هو بناء مساحة تعبير تستند إلى الاستقلال الفكري وتعكس القيم التي أتبناها: المصداقية ،الانفتاح، احترام الاختلاف و التنوع، التركيز على ما يجمع بيننا والارتقاء بالمواطن العربي .
من خلال هذه الصحيفة، سعيت إلى تجسيد مفهوم الدبلوماسية الثقافية، التي تتجاوز الحدودالأيديولوجية والجغرافية، وتجعل من الإعلام جسرًا للحوار والتقارب بدلًا من أن يكون ساحة للصراعوالاستقطاب. لم أهدف فقط إلى نقل الأخبار، بل إلى خلق منصة فكرية يمكن من خلالها تبادل الرؤىالمختلفة وإثراء النقاش العام. فالتأثير الحقيقي لا يكمن فقط في القوة السياسية أو الاقتصادية، بل فيالقدرة على تشكيل الوعي، وإلهام العقول، وفتح آفاق جديدة للفهم والتواصل.
كان هذا الخيار تحديًا كبيرًا، لكنه منحني أيضًا شعورًا بالرضا العميق، لأنني استطعت أن أساهم، بطريقتي،في ترسيخ نموذج إعلامي هادف، مستقل عن المصالح الآنية، ومبني على رسالة واضحة: إعلام يضيءالعقول بدل أن يوجهها، يقرب المسافات بدل أن يخلق الحواجز، ويبني جسور التفاهم بدل أن يعمقالخلافات.
• ما هي أكثر المواقف الصحفية التي لا تزال عالقة في ذاكرتك؟ سواء كانت إيجابية أو سلبية. أذكري (٣) منها.
هناك العديد من المواقف الصحفية التي لا تزال عالقة في ذهني نظراً لتأثيرها العميق في الكشف عنالحقائق وتحفيز الناس على التحرك، أو حتى تغيير السياسات العامة. من بين أبرز هذه المواقف فضيحةووترغيت (1972-1974) التي كشف عنها الصحفيان بوب وودوارد وكارل برنشتاين في صحيفة “واشنطنبوست”، حيث أظهرا فضيحة تجسس سياسية كانت سببًا في استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون،وهي واحدة من أبرز الأمثلة على قوة الصحافة في محاسبة السلطة. هناك أيضاً تسريبات باناما (2016)التي تم الكشف عنها عبر تحقيقات صحفية عالمية، حيث ظهرت تورط شخصيات سياسية واقتصاديةكبيرة في قضايا فساد وغسل أموال عبر شركات وهمية، وهو ما أدى إلى تداعيات عالمية كبيرة. ثم تأتيملفات باندورا (2021) التي كشفتها صحيفة نيويورك تايمز، حيث ظهرت شبكة من الشركات المسجلةفي ملاذات ضريبية، بما في ذلك أسماء سياسيين ورجال أعمال بارزين، مما أظهر بشكل جلي الفسادالمالي على نطاق واسع. هذه المواقف الصحفية الجبارة تطلبت تضحيات وجهدًا كبيرًا. لكن ما يؤثر فينيأيضًا بشكل كبير هو ملاحقة الصحفيين وسجنهم من أجل الكلمة، والقمع الذي يتعرض له الصحفيونفي بعض البلدان نتيجة ممارستهم لحرية التعبير، وهو أمر يؤلمني بشدة. هذا القمع هو عائق حقيقيأمام العمل الصحفي ويحد من قدرة الإعلام على أداء دوره في كشف الحقيقة وتوجيه الرأي العام. فيبلدي، تونس، كان هناك العديد من الصحفيين الذين لعبوا دورًا حاسمًا في تاريخنا الحديث، مثل الحبيببورقيبة الذي كان صحفيًا معارضًا للاستعمار قبل أن يصبح أول رئيس لتونس. أسس صحيفة “العمل”التي كانت منبرًا للحزب الحر الدستوري الجديد، وساهمت في تعبئة الرأي العام ضد الاحتلال الفرنسي،واعتُقل بسبب مقالاته. كما لا يمكنني نسيان الصحفيين التونسيين الذين ساهموا في تحفيز الناس نحوالاستقلال مثل الهادي العبيدي، محمود بيرم التونسي، وصالح فرحات، وغيرهم الذين جعلوا منالصحافة ساحة معركة ضد الاستعمار.
• كيف تقيّمي المشهد الصحفي اليوم؟ وهل ترين أنه يسير في الاتجاه الصحيح؟
الصحافة اليوم، رغم تطورها التكنولوجي السريع، تواجه تحديات عميقة مرتبطة بالعلاقة المتزايدة معالمؤسسات المالية والسياسية، والتي تؤثر بشكل ملحوظ على استقلاليتها ودورها المجتمعي. الصحفياليوم لم يعد مجرد ناقل للأخبار، بل أصبح في قلب معركة من أجل الحفاظ على المصداقيةوالموضوعية، في ظل ضغوط كبيرة تأتي من عدة أطراف.
من جهة، المؤسسات المالية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المشهد الإعلامي؛ سواء من خلال ملكيتهالوسائل الإعلام الكبرى أو عبر تمويل حملات إعلامية ومشاريع صحفية. هذه العلاقة قد تؤدي إلى تضاربالمصالح، حيث تصبح بعض الوسائل الإعلامية مرهونة بالضغوط المالية التي تفرضها المؤسساتالكبرى، مما يعرقل قدرتها على تقديم تغطية صحفية مستقلة. تزايد الاعتماد على الإعلانات التجاريةكأحد مصادر الدخل يعزز من هذه العلاقة، في حين أن بعض القضايا الاقتصادية والسياسية قد لا تُعرضبشفافية بسبب ضغوط الشركات الكبرى أو الممولين.
من جهة أخرى، الصحافة باتت تخضع لضغوط المؤسسات السياسية، حيث تتدخل بعض الحكوماتبشكل مباشر أو غير مباشر في توجيه الإعلام لتوجيه الرأي العام بما يتماشى مع أجنداتها السياسية. فيبعض الدول، تُستخدم وسائل الإعلام كأداة للسيطرة على الخطاب العام، مما يقيد حرية الصحافةويُضعف القدرة على كشف الفساد أو الانتهاكات الحقوقية. حتى في الدول ذات الديمقراطياتالمستقرة، لا يخفى التأثير الذي قد تمارسه اللوبيات السياسية على الإعلام، سواء من خلال الضغط علىالصحف لتقليل تناول بعض القضايا أو من خلال حملات تشويه ضد الصحفيين الذين يسعون لإبرازالحقائق.
بالإضافة إلى ذلك، يعيش الصحفي في ظل بيئة من الضغوط النفسية والمهنية المستمرة. فمن جانب،هناك ضغوط على الصحفيين للحفاظ على سرعة التغطية والتفاعل مع الأحداث السريعة في عصروسائل التواصل الاجتماعي، حيث تصبح المعلومات تنتشر بسرعة البرق، وقد يضطر الصحفي في بعضالأحيان لنشر محتوى غير دقيق أو ناقص لتلبية هذه الحاجة. ومن جانب آخر، توجد التهديداتالمستمرة التي قد يتعرض لها الصحفيون في دول غير مستقرة سياسياً أو حيث تكون حرية التعبيرمهددة، مما يعرضهم لخطر السجن أو القتل بسبب عملهم.
الصحافة في هذا العصر تحتاج إلى توازن دقيق بين التكنولوجيا والاحترافية، بين التغطية السريعةوالتمحيص العميق، وبين المصداقية والضغط السياسي والمالي. الصحفي الحقيقي يجب أن يكونشجاعًا في مواجهة هذه الضغوط، ويحافظ على رسالته كمدافع عن الحقائق والمساءلة، بعيدًا عن أيتأثيرات خارجية قد تشوه أو تُحرف الواقع. في ظل هذه التحديات، ينبغي على الصحافة أن تعود إلىقيمها الأساسية: خدمة المجتمع، كشف الحقيقة، وإبقاء السلطة تحت المراقبة،
• في ظل انتشار الأخبار السريعة ووسائل التواصل الاجتماعي، كيف يمكن للصحفي أن يحافظعلى مصداقيته؟
في ظل الانتشار الواسع للأخبار السريعة ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من الصعب على الصحفيالحفاظ على مصداقيته إذا لم يتخذ خطوات دقيقة ومدروسة. بداية، يجب أن يكون الصحفي حريصًا فيتدقيق المعلومات التي ينقلها والتأكد من صحتها عبر مصادر موثوقة ومتعددة. التحقق من هويةالمصدر ومراجعة الأخبار عبر عدة قنوات يسهم في ضمان صحتها وعدم نشر معلومات مغلوطة. كما أنالصحفي يحتاج إلى استخدام أدوات فحص الوسائط مثل “InVID” و”RevEye” لتحليل الصوروالفيديوهات المرفقة، وذلك للتأكد من أنها لم تُعدل أو تُنشر في سياقات أخرى. من جانب آخر، يُعتبرالتواضع والاعتراف بالخطأ جزءًا أساسيًا من الحفاظ على المصداقية؛ إذ يجب على الصحفي أن يكونمستعدًا لتصحيح أي خطأ بشكل علني، ما يعزز من صدقيته لدى الجمهور. وبدلاً من استخدام العناوينالمضللة لجذب الانتباه، يجب أن يتجنب الصحفي الصياغات المثيرة التي لا تعكس الواقع، لأنها قد تؤديإلى فقدان ثقة القارئ. علاوة على ذلك، يتعين على الصحفي أن يتفاعل مع الجمهور، خاصة عبر وسائلالتواصل الاجتماعي، بشكل مسؤول وشرح خلفية المصادر التي يعتمد عليها، مما يعزز الشفافية. وأخيرًا،لا يمكن للصحفي أن يفرط في المبادئ الأخلاقية للصحافة مثل الموضوعية والحياد، لأنها تشكل الأساسفي بناء المصداقية. الحفاظ على هذه المبادئ في عالم الأخبار السريعة والمتغيرة هو ما يضمن استمرارالصحفي في تقديم محتوى موثوق ويسهم في بناء علاقة قوية مع قرائه.
• هل خضتي تجربة أو تحقيقًا صحفيًا كنت تعتبره مغامرة أو تحديًا كبيرًا؟
بالنسبة لي، الكتابة في مجال الجيوسياسة دائمًا تمثل تحديًا حقيقيًا، ليس فقط لأنني أهدف إلى الكشفعن المستور وفك شفرة ما يقع، ولكن لأن هذا المجال يتطلب تحليلًا معمقًا للأحداث والأوضاع المعقدة. كل تحقيق أو مقال أكتبه في هذا المجال يعكس رغبة في كشف المصالح الخفية والسياسات التيتتحكم في مجريات الأمور على الساحة الدولية والإقليمية. ففي الجيوسياسة، غالبًا ما تكون الأمور بعيدةعن السطح، ويجب على الصحفي أو الكاتب الغوص في التفاصيل الدقيقة والمستترة لتقديم صورةحقيقية للأحداث.
أحد أبرز التحديات التي مررت بها كان عند كتابة مقال حول الأزمات السياسية في منطقة معينة. الموضوع حساس جدًا، ويتطلب جمع المعلومات من مصادر متنوعة في بيئة سياسية مشحونة. كانهناك تحدٍّ آخر في التعامل مع مصادر مجهولة أو غير موثوقة، حيث كان يجب عليّ التحقق من صحةالمعلومات بدقة قبل نشرها. إضافة إلى ذلك، كانت الضغوط السياسية والاجتماعية تمثل عائقًا كبيرًا،حيث كان من الممكن أن تؤثر على الموضوعية أو تؤدي إلى تحريف الوقائع.
التحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على حيادية تامة أثناء تناول هذه المواضيع، لأن أي انحراف عنالموضوعية قد يؤثر في مصداقية المقال. ولذلك، فإنني دائمًا ما أركز على تقديم المعلومات في سياقشامل، متجنبة الانحياز أو التأثيرات الخارجية، من أجل تقديم صورة متوازنة ودقيقة.

• ما النصيحة التي تقدمينهها للجيل الجديد من الصحفيين والكتّاب الشباب؟
ما يمكن ان اقوله إلى الجيل الجديد من الصحفيين والكتّاب الشباب:
–لا تنسوا أبدا أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل رسالة تتطلب شغفًا حقيقيًا. مارسوا الصحافة بشغف،لأنها إن لم تكن شغفًا، فسرعان ما تصبح عبئًا، وحينها يكون التخلي عنها أكثر شرفًا من ممارستها بلا روح. فالصحفي الحقيقي ليس من يكتب لمجرد الكتابة، بل من يحترق بأسئلته، ويبحث عن الحقيقة بصدق،ويؤمن أن دوره ليس إرضاء الجماهير أو تحقيق الشهرة السريعة، بل بناء وعيٍ ناضج لدى القارئ.
لا تستعجلوا الأضواء، فالبريق الحقيقي للصحفي ليس في سرعة انتشاره، بل في عمق تأثيره. المصداقيةهي رصيدكم الوحيد في هذا المجال، وهي ما يجعل منكم صناع رأي عام حقيقيين، لا مجرد ناقلينللمعلومات. أنتم مسؤولون أمام مجتمعاتكم، لأن الكلمة التي تكتبونها قد تغيّر مسار فكر، أو تصنع وعياً،أو حتى تضلل إن لم تكن دقيقة. فاحذروا أن تكونوا جزءًا من التلاعب بالمشاعر أو نشر الضبابية، وتذكرواأن الصحافة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا.
لا صحافة دون قراءة. القراءة ليست مجرد ترفٍ، بل هي السلاح الذي يتيح لكم فهم المادة الإعلامية التيتقدمونها. اقرأوا التاريخ لتفهموا السياقات، والفلسفة لتدركوا عمق الأفكار، والاقتصاد والسياسةلتتمكنوا من تحليل الأحداث بوعي. فكلما توسعت آفاقكم، كلما استطعتم أن تكونوا أكثر دقةوموضوعية، وأقل عرضة للوقوع في فخ السطحية أو التحيز غير الواعي.
وأخيرًا، تذكروا أن الصحفي الحقيقي لا يكتب ليرضي، بل ليكشف، لا يجامل، بل يحلل، ولا يخاف من قولالحقيقة، لأن الحقيقة وحدها هي التي تصنع الوعي وتصمد أمام الزمن.
• ما هي طموحاتك المستقبلية في المجال الصحفي؟ وهل لديكِ مشاريع أو كتب تعمل عليهاحاليًا؟
أرجو قبل كل شيء من الله سبحانه وتعالى ان يمنحني الصحة والعافية والصفاء الذهني لأكمل هذهالرسالة النبيلة التي تهدف الى تقديم تحليل عميق للقضايا الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، معالتركيز على نشر أفكار مبتكرة تكشف عن بواطن الأمور وتحلل تطورات العالم بطريقة دقيقة وواضحة. أطمح أيضًا بمشيئة الله إلى تعزيز القدرة على تقديم محتوى يساهم في تشكيل الرأي العام ويساهم فيتغيير أو تحسين السياسات على الصعيدين الإقليمي والدولي.
بالنسبة للمشاريع ،فان طموحي هو تطوير عرب 21 لتكون دائما مواكبة للتحولات الرقمية ، حتى تصبحمنارة إعلامية يثق فيها كل مواطن عربي بالتركيز على التحقيقات المعمقة والتحليلات ذات الأبعادالاستراتيجية.
وبالنسبة للكتب فان الكتابة في شراييني، لا استطيع ان اعيش يوما لا اخط فيه نصا او فكرة، فأنا اكتب، أنا موجود. الكتابة هي معركة الإنسان ضد الزمن، حيث يخلد الفكر والمشاعر.
•لديكِ ثلاثة وردات لمن تهديها في الوسط الإعلامي؟ ولماذا…؟
العديد من الإعلاميين يستحقون باقات من الورود خاصة المحررين والمراسلين الميدانيين: الذينيواجهون المخاطر في مناطق النزاع لتقديم الحقائق من أرض الواقع، ويضحون بأرواحهم من أجل نقلالأخبار الهامة التي قد تغير مواقف الجمهور تجاه قضايا مصيرية. ولكن بما انه علي ان أُخصص ثلاث
الوردة الاولى: للصحفي السعودي سلمان الدوسري، اعتبره من أبرز الأقلام الصحفية في المملكة وله بصمة واضحة فيتغطية القضايا السياسية والاقتصادية، مقالاته الصادرة بصحيفة “ الشرق الأوسط “ و” مجلة المجلة”ملهمة .
الوردة الثانية : لكريستيان أمانبور (Christiane Amanpour): مراسلة شهيرة في قناة “سي إن إن” (CNN)، تُعرفبتغطيتها للمناطق الساخنة والنزاعات العالمية. تُعتبر رمزًا للنزاهة الصحفية والالتزام بتقديم الحقيقة.
الوردة الثالثة : للصحفي عبد الله الزهراني رئيس تحرير صحيفة مكة، اختياره للمواضيع التي يكتب فيها وحرفيته في تعقب الخبر وتحليله وتقديمه تجعله من افضل الصحفيينالذين تشرفت بلقائهم والاستفادة منهم، كما احيي فيه تعبيره عن فخره واعتزازه ببلاده في كل ما يكتب.
• كلمة في نهاية هذا اللقاء..
في ختام هذا الحوار، لا بد لي من الإشادة بالعمل العظيم الذي يقوم به رئيس تحرير صحيفة مكة، الذيلا يدخر جهدًا في خدمة مصلحة وطنه. بفضل رؤيته الثاقبة، يعمل بكل تفانٍ على تعزيز مكانة المملكة،ويشيد جسور التعاون مع بلدان أخرى، مما يثري المشهد الإعلامي ويسهم في إبراز صوت المملكة فيمختلف المحافل. تلك الجهود لا تقتصر على نقل الأخبار فقط، بل تجعل المملكة حاضرة في قلوب قراءالصحيفة، وتُرسخ مكانتها كرمز من رموز الريادة الإعلامية في العالم العربي.