في عالم التربية والتعليم ومما لا شك فيه أن لكل إنسان مازال يحتفظ بمجموعة من المعلمين في مخيلته بمختلف المراحل التعليمية الأساسية، وحتى المستوى الجامعي والذين كان لهم الأثر الكبير في حياته من حيث غرس القيم الراسخة، والمبادئ العظيمة، هذا غير تعليم القراءة والكتابة، والعلوم، والمهارات الإنسانية كافة. وعلى أي حال سواء تم تذكرهم جميعاً، أو بعضهم فمن أقل الواجب تجاههم الدعاء للأموات منهم بالمغفرة والرحمة، وطول العمر مع حسن العمل للأحياء منهم فالأوفياء فقط يدركون واجبهم سواء في حال الغياب، أو في حال الحضور، فالمعلم كان ومازال الضوء الذي يبعث إشعاعه في عقول الناشئة؛ ليُنير لهم طريق العلا والمجد والسمو، ومن منا لا يتذكر أولئك المعلمين الأوائل والذي كانوا بمثابة الآباء في التربية والتعليم وفي التوجيه والنصح، ويجدون كل التقدير والاحترام والثناء من جميع أطياف المجتمع فجزاهم الله عنا خيراً.
ومصادفة وفي طرقات إحدى المشافي بمكة المكرمة وفي شهر رمضان المبارك الحالي قابلت وبعد انقطاع غير بعيد معلمي القدير في المرحلة الثانوية الأستاذ أحمد بن عبدالرؤوف بن حسين والذي حين تلقاه لا تجد منه إلا كل حب وتقدير، ويشعرك من الوهلة الأولى أنك أحد أبنائه فلا يبخل عليك بالابتسامة أولاً، ومن ثمّ السؤال عن الحال، والنصيحة في موضعها المناسب متى تطلب الأمر، وما إن تخبره عن بعض ظروف الوقت، أو حتّى ظروف العمل يأخذك إلى عالم من الهدوء والطمأنينة والسكون واليقين وبلا أي تعقيد، أو مبالغة ويخبرك أن كل مجريات هذا الكون الفسيح تجري بقدر معلوم فلا تغضب ولا تجزع بل اصبر واحتسب حتّى تهون المصاعب، وتتيسر الأمور كلها، ويلحقك الأجر والثواب وكأنه يترجم عملياً شيئاً من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: “.… واعلَم أنَّ ما أصابَكَ لم يكُن ليُخطِئَك، وما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبَكَ، واعلَم أنَّ النَّصرَ معَ الصَّبرِ، وأنَّ الفرجَ معَ الكربِ، وأنَّ معَ العُسرِ يُسرًا” أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
والجميل في هذا الإنسان الجميل أنه يترجم مايُؤمن به من سلوك حسن فلا يتصنع، ولا يتكلف بل يقول ما في نفسه وكأنه وكما ما قيل: “الذي في قلبه على لسانه”فحين يتحدث عن الرزق فإن لديه اليقين العظيم بأن الله هو الرزاق الكريم، وحين يتحدث عن الصدق فإن الصدق لديه فضيلة، وحين يتحدث عن الأمانة فإن الأمانة من القيم التي يؤمن بها، وحين يتحدث عن التواضع فإنه يمارس ذلك السلوك في حياته بلا زيف، وهكذا وبالمناسبة لا زلت أحتفظ له بموقف حقيقي وعلى أرض الواقع عن التواضع وهي من المواقف العالقة في ذهني حتّى الآن ولا يمكن أن تُمحى من الذاكرة ففي الصف الأول الثانوي وأثناء مجريات اليوم الدراسي أُصيب أحد الطلاب بجرح في قدمه فما كان منه إلا أن استوقفه وبدأ يعمل له الضماد الصحي من تنظيف الجرح، ووضع المرهم، ومن ثمّ ربط القدم بالشاش الأبيض حتّى استطاع المشي جيداً على قدميه. أستاذي الفاضل أحمد عبدالرؤوف بن حسين لك كل الحب، والتقدير، والاحترام، والوفاء وجزاك الله خيراً عن كل ما قدمت لطلابك في مشوارك التعليمي الحافل.