رمضان.. موسم الحسنات أم رصيد مفقود؟
يحل علينا شهر رمضان المبارك فتصفد الشياطين وتفتح أبواب الرحمة، ويتسابق المسلمون لجمع الحسنات بالصيام والقيام والصدقات. لكنه، في خضم هذه النفحات الإيمانية قد ينسى البعض أن ميزان العدل الإلهي لا يقيس العبادات وحدها، بل ينظر أيضاً في الحقوق والمعاملات. فكيف يكون حال من يكثر من العبادات في رمضان لكنه يفرط في حقوق العباد؟ وكيف يمكن أن يكون الإنسان من أهل الصيام والقيام ثم يجد نفسه مفلساً يوم القيامة؟
الإفلاس الحقيقي
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
“أتدرون من المفلس؟” قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طُرح في النار. (
لا تدع صيامك يضيع!
شهر رمضان ليس مجرد فرصة لتكثير العبادات بل هو مدرسة أخلاقية تهذب النفوس وتصلح السلوك. فكم من صائم يصوم النهار لكنه يفسد صيامه بلسانه الجارح وظلمه للآخرين وأخذه لحقوقهم بغير وجه حق.
قال رسول الله ﷺ:
“من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”
وهذا الحديث يتناغم مع حديث “المفلس”، حيث يبين أن الصيام ليس مجرد جوع وعطش بل التزام بالأخلاق والقيم. فكيف بمن يصوم نهاره لكنه يظلم جاره؟ وكيف بمن يقوم الليل لكنه يغتاب زملاءه أو يخدع في تجارته؟
هل الإفلاس يعني الفقر فقط؟
حينما سأل النبي ﷺ الصحابة عن المفلس، ظنوا أنه الفقير الذي لا يملك مالاً أو متاعاً، لكن الرسول ﷺ بين أن الإفلاس الحقيقي هو ضياع الحسنات بسبب ظلم العباد. وهذا التحذير يتضاعف أهميته في رمضان حيث يضاعف الله الأجر، لكن أيضاً تبقى مظالم العباد قائمة لا تمحى إلا برد الحقوق أو المسامحة.
ومن دروس الحديث في ضوء رمضان
الحسنات ليست ملكاً مضموناً لك
o قد تظن أن عباداتك تراكم حسناتك لكنك في الواقع قد تكون مجرد “خازن مؤقت” لها يوزعها الله على من ظلمتهم يوم القيامة.
الصيام لا يشفع لظلم العباد
o لا فائدة من الامتناع عن الطعام والشراب إن لم يمتنع اللسان عن الأذى واليد عن الظلم والقلب عن الكراهية.
رمضان فرصة لتصفية الحسابات
o كما نحرص على تصفية قلوبنا من الذنوب يجب أيضاً أن نحرص على تصفية علاقاتنا مع الناس برد المظالم والاعتذار لمن أخطأنا في حقه.
العبادات لا تعوض السيئات في حقوق الناس
o قد يغفر الله لك تقصيرك في عبادتك لكنه لن يغفر مظالم العباد حتى يعفو أصحابها فبادر إلى تصحيح أخطائك قبل أن يفوت الأوان.
كيف ننجو من الإفلاس في رمضان؟
مراجعة النفس يومياً: قبل أن تراجع كم ركعة صليت وكم صفحة قرأت راجع: هل ظلمت أحداً؟ هل اغتبت؟ هل أخذت حقاً ليس لي؟
رد الحقوق إلى أهلها: إن كان لديك دين أخلاقي أو مادي فبادر بسداده قبل أن يسدد من حسناتك يوم القيامة.
الإكثار من الاستغفار: ليس فقط لله بل من الناس أيضاً. فلا تخجل من الاعتذار لمن أخطأت في حقه.
التحكم في اللسان: تجنب القذف والغيبة والسب والجدال العقيم فكل كلمة قد تكون ديناً عليك يوم القيامة.
الحرص على الصدقة: فهي تطهر المال والقلوب وقد تكون وسيلة لمحو آثار بعض الأخطاء بحق الناس.
رمضان .. ربح أو إفلاس؟
إن شهر رمضان هو الفرصة العظمى لتغيير المسار وتصحيح الأخطاء وكسب الأجر الذي يبقى. فلا تجعل ظلمك للآخرين يحول رصيد حسناتك إلى غيرك فيكون صيامك وقيامك هباءً منثوراً ! تذكر أن العبرة ليست بمن جمع أكبر عدد من الصلوات بل بمن خرج من رمضان بقلب نقي وأيدٍ بيضاء وحقوق مستوفاة.
فهل سنكون من الرابحين أم من المفلسين؟
• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس