المقالات

شارع الأعشى

مرت عشر حلقات على مسلسل شارع الأعشى، الذي قُدم عن فترة زمنية موغلة في التحولات الإنسانية والاجتماعية ونقلات التطور التي عاشتها الرياض والمملكة في تلك الفترة.

وكاتبة الرواية هي الدكتورة بدرية البشر، التي عايشت متغيرات الزمن، حيث البيوت الطينية والبيوت المسلحة.

وشارع الأعشى موجود في حي منفوحة، حيث كان من أبرز شوارع الرياض، وسُمّي على اسم صناجة العرب، الشاعر الأعشى قيس، الذي عاش فيها في العصر الجاهلي. وسُمّي بـالأعشى لضعف بصره.

ومثل تلك الأحياء والأسواق والمسميات، نجد سوق السدرة، والثميري، وسويقة، وشارع الوزير، ومحلات الملوحي، وباصات بنات المدارس، التي كُتبت فيها أبيات الغزل، وقصص الحب، وتبادل الرسائل، إضافة إلى علاقات الجيران الجميلة، ودخول الهاتف الأرضي، والتلفزيون الأبيض والأسود ثم الملون، وقبلهما المذياع، ثم المكيف، والانتقال من النوم في السطح بعد صلاة العشاء إلى النوم باستخدام المكيف الصحراوي، ثم مكيف الفريون.

ومع النوم في السطح، كان ذلك قبل انتشار التلفزيون، وكان يتزامن حينها مع الجح البارد (البطيخ)، والجراوة (الشمام)، ورش المراقد (فرش النوم) بالماء لتبرد قليلًا قبل النوم، ثم أسرار البنات وحكاياتهن، وتقليد المسلسلات، وبرنامج ما يطلبه المستمعون، ومسرحيات فيروز، وما يبثه التلفزيون آنذاك، وسينما أفلام حي المربع، وغير ذلك.

ثم لماذا عاد شارع الأعشى بعد ستين سنة لينبض بالحركة والدموع والذكريات، ومعه حي سكيرينة، وتجمعات المساجد في الخلوات من قبل عصابات التشدد والتطرف استعدادًا لاقتحام الحرم، وحي دخنة (حي الكتاتيب)، ومجالس العلماء، وحي البرقية، ومسجد الأمير منصور، ومسجد السعدون، ومسجد ابن سنبل، ومسجد ابن قباع، وحي جبرة، ومصلى العيد، ومطبخ البوري، ومطبخ العجراء، ومطبخ حميد، ودويرة أم سليم، وحي الشميسي، وحي الوشام، ومسجد الإخوان عند ابن سنان، والحبونية، وحلة ابن بكر، والطويلعة، ومنفوحة، والوسيطا، والعود، وشارع طريق الحجاز، وعمارة النمر، ومحلات آل طالب، والنداف، والخطاط الشويعر، والخطاط الصميت، ووقت الأمطار حيث نزول المطر الشديد في طرق السد الصغيرة، وإقفال المدارس، وتحويل الدراسة إلى مسائية في مدرسة أخرى، ووضع قطعة حديد صغيرة في باب المدرسة حتى لا يفتح، وقصة الكلب “لعبان” مع طلبة المدرسة.

وبيوت آل الشيخ، وآل سالم، وآل داود، وآل دوس، وآل كليبي، والسُكيني، وآل هديان، وآل سليمان، وآل شلهوب، وآل عشيوي، وآل العبيد، والنفيسة، والحوطي، والكنعان، وآل ريس، والعساكر، وآل نوح، والعُكيل، وآل غيث، وآل غانم، وآل عثمان، والخميس، وآل رشود، والعنقري، وآل أبوحيمد، والحسين، والنصار، والمديميغ، والتخيفي، والحكير، والباز، والعتيق، والعامري، وآل أبو عبيد، والمرشد، والمروان، والنصبان، والعقيل، والماجد، والونيس، والمضحي، والشريهي، وآل بن سعيد، والشهوين، وآل سبعان، والرويتع، والمطيويع، والجريد، والصرامي، والغنام، والمزروع، والعشيوان، والشرهان، وآل فارس، وآل كريديس، وآل يوسف، وآل محيا، والبريكان، والباعود وغيرهم كثير، والأسماء هنا على سبيل المثال لا الحصر.

ثم المدارس، وأشهرها مدرسة جبرة (سعيد بن جبير)، والأحنف بن قيس، وعلي بن أبي طالب، والمحمدية، ومدرسة الجزائر، ومتوسطة ابن خلدون، ومعهد إمام الدعوة العلمي، وشارع آل فريان، ودويرة سلام، ومعكال، وشارع الغنم (المعروف بشارع الحب أو شارع بورسعيد أو شارع عثمان بن عفان).

عودة التراث والتاريخ في الدراما السعودية

كل هذه الأسماء والمواقع عايشناها في تلك الحقبة التاريخية، وقد نجح المسلسل في تجسيدها، مما يعكس اهتمامًا بالتراث والتاريخ وتأكيد الأصول، وهو ما نشاهده اليوم من اهتمام بالتراث وجعله مصدر دخل للترفيه والسياحة، كما يحدث في أنشطة ومباني حي الطريف، والبجيري، والدحو، وسوق الزل، وجدة التاريخية، ومدينة الدرعية ومشاريعها الضخمة، والاهتمام بالأحياء القديمة في مختلف مدن المملكة.

إن مسلسل شارع الأعشى كتبته باحثة في علم الاجتماع، ساعدها تخصصها الأكاديمي على استرجاع الذكريات ووصف تلك الفترة، ولم يكن مجرد سرد ترفيهي للتسلية، بل رصدٌ للتاريخ الاجتماعي وتحولات المجتمع ومعالجة الأخطاء والإعداد للمستقبل.

قصص الحب الضائعة بين الماضي والقيود الاجتماعية

وكم من قصة حب دفنت، كما دُفنت قصة سعد وعواطف، حيث تزوج راشد بواحدة لا ترغب به، وكذلك حدث ذلك لـالجازي، ما أدى إلى تغيير مصير الحياة وتحمل الألم والظلم لاعتبارات معينة فرضها المجتمع، ومنعت اختيار الحب البريء، مما حكم على هذه الأطراف بالحسرة والعذاب والعيش كيفما اتفق، حسب ما تفرضه العائلة والمجتمع، وليس ما يختاره القلب المرهف الصادق التلقائي الحنون.

وفي بعض الأحيان، تكون اختيارات الأهل هي عين العقل والأصلح للبنت أو الابن، بعيدًا عن تسرع العاطفة واندفاعها. وهذا ما فعله أبو إبراهيم المثقف نسبيًا، حينما رفض زواج سعد بابنته، لعدم إكماله التعليم وعدم توفر وظيفة لديه، رغم قصة الحب الملتهبة في السطح ومواعيد السجادة على سطح الجدار الفاصل بين المنزلين، لينتهي به الحال إلى الانضمام إلى المتشددين والإرهابيين.

د. سعود صالح المصيبيح

مستشار في مكتب وزير الداخلية سابقاً

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ردك يادكنور سلسل وفيه من الواقعية للاحداث جعلتني ارد عليك بشئ بسيط من حبي لك ولكن اظهار هذه المشاعر بدرامى تمثيلي فاجأى المتحفظين في نشره مما وضع الكاتب في عدم تجهيز الرد بشكل مقبول للمشاهد ….
    تعودنا منك انك محب للبلد وللناس وانت لك مجال سابق من قربك للمعفور له الامير نايف تحياتي لك واتشرف في الرد عليك بحكم متابعتي لك من اكثر من 30 سنه وعيدك مبارك 2025م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى