المقالات

ذكريات رمضانية (3)

صُمتُ في عدد من المدن السعودية والإقليمية والعالمية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أبها، مكة، بلجرشي، المجمعة، الرياض، تبوك، بغداد، إسطنبول، القاهرة، لوس أنجلوس، لندن، وليستر وغيرها. ومن خلال التجربة، يبدو أن للصيام في مكة المكرمة – أعزها الله – طعمًا خاصًا، حيث إن أكلات ومشروبات الشهر الكريم فيها تتميز بنكهة فريدة ومميزة. حتى أن السمبوسة المكاوية، على الرغم من أنها تشبه في شكلها مثيلاتها في مختلف أنحاء العالم، إلا أن لها طعمًا خاصًا مكاويًا، ولعل ذلك يعود إلى البهارات المكاوية الخاصة التي تضاف إليها أثناء إعدادها. كما أن ليالي رمضان في مكة لها طابعها المميز، ولا زلت أتذكر نداءات البائعين، ومنها:

بليلة بالكوسة.. تعالي كلي يا عروسة!”

ومن الطرائف التي لاحظتها في إسطنبول، أنهم يستبدلون التمر بالزيتون على طاولة الإفطار، وخصوصًا الزيتون الأسود. كما أنني هناك رأيت لأول مرة المطاعم التي تقدم وجبة الإفطار عن طريق البوفيه المفتوح، حيث تمر قبل موعد الإفطار بعشر دقائق تقريبًا، وتجد نفسك تشتهي كل شيء، فتملأ صينية الطعام بأنواع مختلفة من المأكولات، لكنك قد تترك نصفها دون أن تمسها يدك بعد أن تكون – بالطبع – قد دفعت قيمتها نقدًا، قبل انتشار الدفع الإلكتروني عبر الجوال، والذي – من وجهة نظري – يجعلك تشتري أي شيء دون الشعور بأنك تخسر من رصيدك!

ومن طرائف الصيام أيضًا، اختلاف عدد ساعات الصيام بين بلد وآخر، حيث صُمتُ لحوالي 19 إلى 20 ساعة في أوروبا، وتحديدًا في بريطانيا. ونتيجة لهذا الفارق الزمني القصير بين أذان المغرب وأذان الفجر، تصبح صلوات التراويح والتهجد سريعة جدًا. وأتذكر أنني هاتفت والدتي – رحمها الله – من ليستر وأنا أستعد للإفطار، وكان ذلك حوالي العاشرة مساءً بتوقيت جرينتش، أي الواحدة ليلًا في الرياض. وعندما أخبرتها أنني أستعد لتناول طعام الإفطار، صححتني قائلة: “بل قل إنك تنتظر موعد السحور!” رحمها الله، ورحم والدي، وجميع المسلمين في كل مكان.

كما صُمتُ في مدينة تبوك عندما كنت مقيمًا في مدرسة ابتدائية خصصتها لي مصلحة الإحصاءات العامة، حيث كنت أشارك في تعداد المسافرين في حالة عمار للمسافرين برًّا، وفي مطار تبوك للمسافرين جوًّا، ضمن التعداد العام للسكان والمساكن عام 1394هـ – إن لم تخني الذاكرة. وقد عشت ذلك الرمضان على وجبتي الإفطار والسحور التي كنت أتناولها في مطاعم تبوك، والتي كان أغلب طباخيها من اليمن الشقيق.

ختامًا

لكل مدينة نكهتها الخاصة في رمضان، ولكل تجربة طابعها الفريد الذي يظل محفورًا في الذاكرة، فتلك اللحظات الرمضانية لا تُنسى، وتظل ذكرياتها حاضرةً رغم مرور السنوات.

د. محمد الأحمد

أستاذ الصحافة والإعلام - جامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى