لم يمر يوم الخميس الخامس من رمضان ككل يوم بل كان يوماً ثقيلاً بعد أن خيّم الحزنُ على مدينة جدة ومنطقة الباحة وقبيلة بني ظبيان على وجه التحديد بل وفقد الوطن علماً من رجاله الأوفياء لدينهم وقادتهم ووطنهم ومواطنيهم إذ رحل من الدار الدنيا للدار الآخرة اللواء ركن طيّار علي بن أحمد الغامدي – والد أحمد وسلطان وخال المذيع المعروف الصديق حامد الغامدي – على إثر صراع مع المرض حيث ووري جثمانه الثرى ظهر يوم الجمعة السابع من رمضان ١٣٤٦ للهجرة في مقبرة الصالحية بعد الصلاة عليه في جامع القريقري وبالعودة للماضي فبالرغم من شدة مرضه فقد كان في فترة منه يتجاسر وقد يشق على نفسه وهو يستقبل محبيه واصدقاءه وهم كثر في قصره بحي الشاطئ في جدة ولا أنسى أننا زرناه بعد أن نسق لزيارته ابن اخته الصديق المذيع حامد الغامدي وكنا بصحبة الصديق علي سعيد قشاط الغامدي والدكتور هجاد بن عمر الغامدي والزميل عبد الرحمن أبو رياح واستبشر وفرح بنا واستقبلنا وابنه سلطان بالتراحيب والابتسامات المعهودة ولم يثنه المرض بعد استئذاننا بالمغادرة عن توديعنا حينها بعد أن صحبنا إلى الشارع يرحمه الله .
أبو أحمد قامة وطنية عاصر خلال عمله المتميز من البدايات حتى تقاعد ثلاثة ملوك هم فيصل وخالد وفهد – يرحمهم الله – وتخرج وتدرب على يديه الكثير من الطيارين في الظهران من صقور السعودية ومن متدربي الطيران من الدول الشقيقة بعد أن شقّ طريقه في رحلة تعليم نادرة بدأت بتعلم القرآن والكتابة على ألواح الخشب والحصير في حوش بمدينة بورت سودان بالسودان الشقيقة التي ذهب إليها بحثاً عن الرزق مع أخيه سعيد وهو في سن العاشرة تقريبا بتوجيه من والدته التي زرعت فيه الثقة منذ نعومة اظفاره لمقابلة شقيقه سعيد – يرحمه الله – الذي كان تاجرا ثم دخل المدرسة النظامية متأخراً هناك وهي مدرسة أجنبية تمونها الحكومة الإنجليزية يتعلم طلابها اللغتين العربية والإنجليزية حيث أكمل فيها مراحل التعليم العام ثم عاد للوطن وعمره ستة عشر عاما واستقر في جدة القديمة عمل في بعض الشركات ثم ترك العمل الخاص بطموحه والتحق بوزارة الدفاع فكانت الانطلاقة الأولى من الطائف حيث تم قبوله فيها وكان من المؤسسين لقاعدة الطائف الجوية بعدها تم ترشيحه لنبوغه بعد أن اختار مجال الطيران فانتقل إلى جدة ليدرس الطيران وتخرج منها ونال ثلاث جوائز تفوق في نفس حفل التخرج الذي كان قائدا لطابوره العسكري ثم تم ترشيحه للعمل بقاعدة الملك عبد العزيز الجوية بالظهران إذ تحول من طالب في جدة إلى مدرس طيران بالظهران فقائدا لمعهد الدراسات الفنية ثم قائدا لقاعدة الملك عبد العزيز الجوية ثم رئيسا لهيئة الإمدادات الجوية كثاني رجل في هذا الصرح وخلال هذه المسيرة حصل على العديد من الأوسمة والشهادات التقديرية والدروع والتكريمات والثناءات الرسمية بعد أن حصل على ثقة ولاة الأمر طيلة عمله .
اللواء علي كان رجلا متواضعا جادا في حياته يحب قضاء كل وقته بمسؤولية اكتسبها من عمله ورحلته التي بدأت من الباحة الزراعية إلى السودان فجدة الاقتصادية والطائف السياحية ثم الظهران البترولية الصناعية بعد أن تلقى التعليمات والتوجيهات من والدته يرحمهما الله فكان في كل رحلة يعاني حتى حقق كل كل الأماني فأصبح اسمه مطرزا بحروف من ذهب في سجلات الرجال الوطنيين العسكريين المخلصين حتى تقاعد وهو بهذه الرتبة والمرتبة وكون له أصدقاء من خيرة الناس لأنه لا يصادق أحدا إلا بعد أن يدرسه ويثق فيه وفي توجهاته ولذا فقد حزن لوفاته الكثير وصلّى عليه المئات الذين قدموا من الباحة ومن مدن المملكة إلى جدة للصلاة عليه وتشييع جنازته وتقديم واجب المواساة والعزاء لأبنائه وأقاربه ولابن اخته المذيع حامد الذي كان يعتبره أحد أبنائه يرحمه الله .
تشرفت بمعرفته قبل عشرات السنين أنا والصديق علي السلوك يرحمهم الله وكان بيني وبينه زيارات في مقرات سكننا في بيضان وبني ظبيان بالباحة وفي قصره بجدة بصحبة الأصدقاء الذين كانوا وما زالوا يقدرون له مكانه ومكانته وسمعته على مستوى الدولة وعلى مستوى المملكة والمجتمع في الباحة وكان محاطا بالمحبة من أقاربه ومعارفه كريما لا يحب التبذير ولا التقتير كان يعشق الوسطية لا يقصّر بواجب صاحب حديث ولا يبحث عن الشهرة بدون دليل لا تملّ من سماع حديثه في مجالسه عن فهم ودراية كان لمّاحا يحسن الإنصات ويقيس الأمور بمقاييس رجاحة العقل وخبرات السنين التي صنعت منه إنسانا متفردا نال بها حب القادة والقيادة وكل من تدرب على يديه في مجال الطيران من داخل المملكة ومن الدول الخليجية الشقيقة بل وثناء من تعلم وتعامل معه في مجال الطيران من الدول الأجنبية الصديقة وهو قائداً على رأس عمله بالظهران حتى طلب التقاعد واليوم آن لنا أن ندعو له بالرحمة والمغفرة ونرثيه هنا بما قد لا يفيه حقه عزاءنا أننا اجتهدنا فإن أصبنا فمن الله وإن قصّرنا فيظل التقصير من صفات البشر والله من وراء القصد .
انعطاف قلم :
أبا أحمدٍ إنّا فقدناكَ ليتنا فديناكَ بالشيءِ النفيسِ بمالنا
ولكنّ إيماناً بما صار إنّنا
سنفنى ولن نبقى وهذا مآلنا
ستبقى ويبقى حُبّنا لكَ دائماً ويبقى وصالكَ بالدعاءِ مجالنا

0