
جمعان البشيري
في زمنٍ أصبحت فيه الموضة تتسلل إلى كل زاوية من حياتنا، يبدو أن مفهوم “الكاجوال” لم يكتفِ بغزو الشوارع والمقاهي، بل وجد طريقه أيضًا إلى بيوت الله. فلم يعد مستغربًا أن ترى مصلين يدخلون المساجد بملابس تجعلهم أقرب إلى رواد الشواطئ أو صالات الألعاب الرياضية أو عارضي الأزياء .!
في الصلاة و في المسجد على وجه الخصوص الإنسان لا يرتدي اللباس من أجل أن يعرض جسمه، وإنما يرتديه لكي يستره. فاللباس بالنسبة له صيانة وبمنزلة سور القلعة الذي يحفظ جسمه، ويذود به عن كرامته. إنسان الإسلام لا يرى كماله في تزويق جسمه وتجميله كالبضاعة التي تُعرض للبيع، بل يلجأ إلى بيع نفسه لله، بدلًا من بيع جسمه للناس. نعم، قضية اللباس والزي، ليست بسيطة أو سطحية كي يمكن أن نعدّها خاضعة للذوق فحسب. إنها قضية هامة ؛ بل ثقافة أمة.. وتغيير اللباس لا يحدث اعتباطاً، وإنما هو نتيجة من نتائج تغيّر الثقافة..!
لقد أمرنا الله تعالى في كتابه الكريم بالاهتمام بمظهرنا عند الذهاب إلى المساجد، بعد ما أنزل على بني آدم لباسا يواري سوءاتهم وريشا، فقال: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ وكلوا و اشربوا … “(الأعراف:31)
أي: استروا عوراتكم عند الصلاة كلها، فرضها ونفلها، فإن سترها زينة للبدن، كما أن كشفها يدع البدن قبيحا مشوها.وقد فسر العلماء “الزينة” هنا بالملابس التي تستر العورة وتتجمل بها النفس عند الوقوف بين يدي الله. فإذا كان الله قد أمرنا بالتزين عند كل مسجد، فكيف بنا ونحن ندخل بيوت الله بملابس لا تليق بمقام الركن الثاني من أركان الإسلام الصلاة؟
أرى أننا نحتاج إلى مراجعة أنفسنا وأعادة النظر فيما نلبس ومراجعة قواعد اللباس “Dress Code” في مساجدنا ؟
بارتداء اللباس الساتر للعورة الذي لا يحمل أي شعارات قد تسيء للمجتمع، أو تخدش الحياء، أو تدعو إلى رذيلة، فهو اللباس اللائق للحضور به إلى المسجد لأداء الصلاة و هو من العوامل المؤثرة في الهوية الدينية وما اقصده هنا هو تحقيق “السلام” المنشق من كلمة الإسلام وبمفهوم اوضح ملابس خالية من أيّ عبارات تنديد قد تنافي تعاليم الدين الإسلامي وتدعي إلى مخالفة العقيدة،أو عبارات عرقية،
إذا انتقلنا بالمشهد من المسجد إلى المؤسسات الحكومية والأماكن العامة، هناك قواعد صارمة للملابس. فلماذا لا نطبق ذلك في المساجد؟ أليس من الأولى أن نحترم بيت الله بملابس تليق بمقامه؟ قد يكون من المناسب التفكير في وضع لافتاتٍ توجيهية عند مداخل المساجد تذكّر المصلين بأهمية ارتداء الملابس المحتشمة والنظيفة.
وللأسرة دوراً بارزاً في هذا الشأن عليهم مراقبة أبنائهم وعدم السماح لهم بالذهاب للمسجد دون ارتداء الملابس اللائقة بالمسجد.!
أيُّها المصلّي الذي تظن أن راحتك الشخصية تأتي قبل احترام بيت الله، هل فكرت يومًا في مظهرك وأنت تقف بين يدي خالق الكون؟ إذا كنت لا تجرؤ على حضور مقابلة عمل بملابس النوم، فكيف تجرؤ على الوقوف أمام ملك الملوك بملابس لا تليق؟
كيف تجرؤ على التواصل الروحي بينك وبين الله وأنت في مظهرٍ غير لائق..!
للأسف، هذه الظاهرة لم تعد استثناءً، بل أصبحت متكررة في كثير من مساجدنا. وخصوصا في صلاة المغرب في شهر رمضان المبارك ، وهذا يستدعي منا وقفةً جادة لإعادة النظر في كيفية تعظيم شعائر الله، بدءًا من احترام بيوته.