المقالات

سباق الروح إلى الله: دليلك لليالي العتق من النار

لحظات لا تعوّض!

حينما تشارف ليالي رمضان على الانقضاء، تأتي العشر الأواخر كأنها تاج يتوج هذا الشهر الكريم. إنها الليالي التي تتجلى فيها الرحمة، وتنزل فيها السكينة، وتفتح فيها أبواب السماء لمن أراد أن يغترف من نهر المغفرة والبركات. إنها ليست مجرد أيام عابرة، بل هي كنز إلهي منحه الله لعباده ليستدركوا ما فاتهم، وليحسنوا الختام. فكيف يمكننا أن نحظى بخيراتها ونخرج منها وقد تبدل حالنا إلى الأفضل؟

العشر الأواخر: كنز ينتظر الباحثين عن النور

إذا كان لرمضان روحانيته الخاصة، فإن العشر الأواخر تمتلك وهجًا فريدًا لا يُضاهى. إنها ليالٍ تُشحذ فيها الهمم، حيث كان النبي ﷺ إذا دخلت العشر الأواخر “شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله”. هنا تتجسد قمة الإخلاص والتفاني في العبادة، فهل نحن مستعدون للسير على هذا الدرب؟

قيام الليل: حيث تتلاقى الأرواح مع السماء

في ظلمة الليل، حين يهدأ كل شيء، يتلألأ نور الطاعة في قلوب المشتاقين. في العشر الأواخر، تتضاعف الفرص لمن أراد أن يطرق باب المغفرة، فقيام الليل ليس مجرد صلاة، بل هو لحظة استثنائية يبوح فيها العبد بمكنونات قلبه لربه. فهل هناك وقت أكرم للوقوف بين يدي الله من هذه الليالي المباركة؟
أحْيِ هذه الليالي المباركة، وبادر بالصلاة بخشوع، واجعل الدعاء مفتاحًا لها، ولا تنسَ أن تسأل الله من واسع فضله، وواظب على ترتيل القرآن وتدبر آياته، فكل حرف هو نور لقلبك. وأحط نفسك بأجواء روحية، وأطفئ كل ما يشتت انتباهك.

اضرب لنفسك موعدًا مع ليلة القدر

فإنها الليلة التي تساوي ألف شهر، الليلة التي يُقدر فيها مصير العباد للسنة المقبلة، فأي خسارة أن تمر علينا دون أن نغتنمها؟ لا أحد يعرف تحديدًا متى تكون، لكنها غالبًا في الليالي الوترية، لذا كن متيقظًا، وأعِدَّ قلبك لها كما يعد المسافر حقيبته لأعظم رحلة في حياته. وأفضل ما يقال فيها: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني.”

الاعتكاف: العزلة التي تعيد ترتيب قلبك

في عالم صاخب يعج بالمشتتات، يمنحنا الاعتكاف فرصة نادرة للانقطاع عن الدنيا والالتفات إلى الآخرة. إنه لحظة تأمل، صفاء، وعودة صادقة إلى الله، بعيدًا عن مشاغل الحياة. لا يُشترط أن يكون الاعتكاف طويلًا، فحتى لو كان بضع ساعات في المسجد أو في زاوية هادئة في البيت، فهو كافٍ ليوقظ روحك.
فالاعتكاف تصفية للروح، وتنقية للقلب، وتدريب عملي على الزهد والتفرغ للعبادة، كما يمنحنا فرصة لمحاسبة النفس قبل وداع رمضان.

الصدقة والإحسان: تجارة لن تبور

في هذه الأيام المباركة، لا تضيع فرصة أن تكون سببًا في سعادة أحدهم، فقد كان النبي ﷺ أجود ما يكون في رمضان، وأجود ما يكون في العشر الأواخر. أطلق يدك بالخير، سواء كان ذلك بإطعام جائع، أو مساعدة محتاج، أو حتى بابتسامة صادقة تزرع الأمل في قلب محبط. وفي وطننا الحبيب، أصبحت أبواب الخير متعددة ومأمونة من خلال الجمعيات والمنصات الرقمية المختلفة.

وداع رمضان: هل نحن مستعدون للبقاء على الطريق؟

لا شيء أصعب من وداع رمضان، لكن العاقل من يأخذ معه روحه بعد انقضائه. لا تجعل العشر الأواخر نهاية الاجتهاد، بل اجعلها بداية جديدة لنمط حياة أكثر قربًا من الله. خطط لمواصلة الطاعات بعد رمضان، ولو بعبادات قليلة لكن مستمرة، فكما قال النبي ﷺ: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ.”

رحلة الروح إلى الله

ها نحن على مشارف العشر الأواخر وأعتاب النهاية، لكنها ليست نهاية العبادة، بل بداية عهد جديد مع الله. لا تترك هذه الأيام تمضي دون أن تترك أثرًا في قلبك. اغتنمها، وأبذل فيها جهدك، ففيها نفحات قد تغير حياتك للأبد. هل ستكون ممن يربحون هذا السباق الروحاني، أم ستدع الفرصة تفلت من يديك؟

اللهم بلغنا ليلة القدر، واجعلنا فيها من المقبولين، واغفر لنا ولوالدينا وأزواجنا وذرياتنا، واجعلنا جميعًا من عتقائك من النار. آمين.

رمضان يقترب من الرحيل… فهل نحن مستعدون لوداعه؟

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى