مع حلول شهر رمضان، يواجه الرياضيون المسلمون تحديًا فريدًا يتمثل في ضرورة التوفيق بين متطلبات التدريب والمنافسات الرياضية وبين الصيام. وقد شهدت البطولات الكبرى، مثل دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، مشاركة العديد من الرياضيين المسلمين الذين أدوا منافساتهم أثناء الصيام، مما يثير تساؤلات حول تأثير الصيام على الأداء البدني والتحمل الرياضي.
أظهرت الأبحاث العلمية وجود تشابه بين تأثير الصيام وتأثير التمارين الرياضية المكثفة من حيث استنزاف موارد الطاقة في الجسم، مما قد يؤثر على الأداء الرياضي (ستانارد، 2011). ومع ذلك، تختلف نتائج الدراسات حول مدى تأثير الصيام على الأداء البدني وفقًا لنوع النشاط الرياضي ومدته.
تأثير الصيام على الأداء البدني وفقًا للدراسات العلمية
في دراسة أجراها ميماري وزملاؤه (2011)، تبيّن أن الصيام خلال شهر رمضان أثر بشكل واضح على نتائج اختبارات الرشاقة لدى الأفراد، بينما لم يطرأ تغيير ملحوظ على أداء التوازن أو القفز العمودي. وعلى النقيض، توصل كوردي (2011) إلى عدم وجود تأثير يذكر للصيام على أداء الرشاقة أو القفز العمودي.
وفي دراسة أخرى، اختبر ميكل وزملاؤه تأثير الصيام على عدة متغيرات، شملت القفز العمودي، الجري لمسافة 40 مترًا، العدو 4×10 متر، العدو 6×40 متر، والجري لمسافة 3000 متر. وقد أظهرت النتائج انخفاضًا ملحوظًا في القدرة على التحمل الهوائي، حيث زاد زمن الجري لمسافة 3000 متر من 812.8 ثانية إلى 819.9 ثانية مع نهاية شهر رمضان. كما سجلت الدراسة انخفاضًا طفيفًا في القدرة على القفز العمودي من 44.8 سم إلى 44.0 سم، مما يؤكد تأثير الصيام على الأداء البدني، خاصة في الأنشطة التي تتطلب قدرة تحمل عالية.
وفي تجربة أجراها عبدالمالك وزملاؤه (2011)، خضع تسعة مشاركين لاختبار وانجيت للقدرة اللاهوائية خلال الأسبوع الأول والأسبوع الرابع من شهر رمضان، مع جلسة متابعة بعد ثلاثة أسابيع من انتهاء رمضان. وخلصت الدراسة إلى عدم وجود فروق إحصائية ملحوظة بين الفترات المختلفة، مما يشير إلى أن التأثيرات قد تختلف باختلاف نوع الرياضة ومتطلبات الأداء.
وفي دراسة أخرى أجراها شينوي وزملاؤه (2009) على ثمانية رياضيين متخصصين في سباقات المسافات المتوسطة، أكدت أن سرعة التحمل القصوى تأثرت بشكل ملحوظ أثناء الصيام، حيث سجلت الدراسة زيادة كبيرة في مستوى الإرهاق مع نهاية رمضان، إذ ارتفع من 5.0 إلى 7.3 على مقياس الإدراك الحسي لشدة الجهد البدني.
مقارنة بين الرجال النشطين وغير النشطين خلال شهر رمضان
في دراسة مقارنة بين الرجال النشطين وغير النشطين، خضع 13 رجلاً يتمتعون بصحة جيدة لاختبار لياقة بدنية على دراجة ثابتة مزودة بمقياس الجهد، لقياس الحد الأقصى لاستهلاك الأوكسجين، التهوية الرئوية، إنتاج ثاني أكسيد الكربون، نسبة تبادل الغازات التنفسية، ومعدل ضربات القلب.
وقد أظهرت النتائج أن السعة الهوائية القصوى كانت أعلى بشكل ملحوظ لدى المجموعة النشطة مقارنة بالمجموعة غير النشطة. كما انخفضت نسبة تبادل الغازات التنفسية بشكل كبير لدى كلا المجموعتين مع نهاية شهر رمضان.
فيما يخص معدل ضربات القلب، لوحظ انخفاض ملحوظ في المجموعة النشطة، بينما لم تظهر فروق كبيرة في المتغيرات الأخرى (رمضان وآخرون، 1999). وفي دراسة لاحقة، أكد الباحث رمضان (2002) النتائج السابقة المتعلقة بانخفاض معدل ضربات القلب والتهوية الرئوية في نهاية شهر رمضان، مما يشير إلى تكيف الجسم مع الصيام والتغيرات الفسيولوجية المرتبطة به.
الخلاصة
تشير الأبحاث إلى أن الصيام خلال شهر رمضان يؤثر على قدرة التحمل الهوائي لدى الرياضيين، بينما تظل نتائجه على القوة والقدرة اللاهوائية متباينة. وقد يعتمد مدى التأثير على طبيعة الرياضة، ومدتها، والتكيف البدني للرياضيين.
لذا، فإن إعداد برامج تدريبية مخصصة خلال شهر رمضان قد يكون عاملًا مهمًا في مساعدة الرياضيين على الحفاظ على مستويات أدائهم البدني خلال فترات المنافسة.
• عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود