لا زلت أحمل في نفسي وذاكرتي غضبًا تجاه كل من شارك في إنتاج مسلسل أبو شلاخ البرمائي عام 2006، حيث اجتهدوا جاهدين في تحويل الرواية ذات العمق الساخر إلى مسلسل سطحي بكوميديا مصطنعة خالية من المعنى.
رواية أبو شلاخ البرمائي عمل مبهر بطابع فانتازي خاص؛ إذ تدور أحداثها في عالم موازٍ من الخيال، لا زمان له ولا مكان، رغم احتوائها على العديد من الوقائع التاريخية والأحداث الحقيقية، وطرحها عددًا من القضايا المهمة، كالوحدة الثقافية ونبذ العنصرية بكل أشكالها.
في ذلك الوقت، كنت أتساءل: ما رأي كاتب الرواية، الدكتور غازي القصيبي، في تحويل روايته إلى هذا المسخ التلفزيوني؟ وكيف سُمح بذلك أصلًا؟ كنت أتصور أنه سيقول بكل وضوح: “محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكارًا قديمة هي مضيعة للجهد والوقت.”
وبالفعل، في تلك الحقبة، لم تكن الأعمال الفنية المقدَّمة من أفلام ومسلسلات سوى محاولات فردية، لم يكن خافيًا على المشاهد مدى ضعف مستواها.
ومع ذلك، استمر الحال على ما هو عليه لسنوات، رغم ظهور مواهب سعودية مجتهدة على منصة يوتيوب، قدمت محتوى جيدًا رغم محدودية الإمكانيات، لكنها مهدت الطريق لتشكيل فن سعودي بطابع خاص، يشبهنا ويعكس هويتنا أكثر من السابق، وأبرز معالمه هو وجود المعنى وعمق الإحساس.
اليوم، وكأنني أرى غازي القصيبي يبتسم بفخر لهذه النقلة النوعية في الفن السعودي، بعد عرض مسلسل شارع الأعشى المقتبس من رواية أخرى. هذا المسلسل السعودي أدهشني في كل حلقة، ليس فقط من حيث القصة والأحداث المشوقة، بل على المستوى الفني أيضًا، إذ نجح في تحويل الرواية إلى عمل تلفزيوني فاخر. الحبكة الدرامية استوجبت تغيير بعض أحداث الرواية، لكن الاهتمام بالتفاصيل كان واضحًا وجليًّا، مما جعلنا نعيش مع المسلسل كما عشنا مع الرواية، ولكن هذه المرة بشكل تفصيلي يغذي كل الحواس.
يحق لنا كمشاهدين أن نفخر بهذه النقلة في الفن السعودي، وبالقائمين على هذا العمل الذي أراه رمزًا للتحول في المسلسلات الخليجية – إن صحَّت التسمية. وأتحمل كامل المسؤولية في القول إن غازي القصيبي لو كان بيننا اليوم، لناشدكم بإعادة إحياء رواية أبو شلاخ البرمائي وتصحيح التشويه الذي طالها، عبر تقديم عمل يوازي شارع الأعشى في مستواه.
ما حدث خلال سنوات قليلة في تطور الفن السعودي أمر مدهش، وهو تجربة يجب أن تُدرس، كصناعة سعودية بامتياز، وإن تم الاستفادة من خبرات الدول الأخرى خلف الكواليس التي تميزت في هذا المجال، حتى تصل مستقبلًا إلى أن تكون سعودية بالكامل.
كل التحية والتقدير لمن منح الأولوية والاهتمام لهذه الصناعة، التي لا تقتصر أهميتها على منح المشاهد متعة المتابعة فحسب، بل تمتد أيضًا إلى توثيق الأزمنة وتأصيل الفن باحترافية، ليرتقي إلى مستوى يليق بأن يُطلق عليه “فن سعودي”.
اقتباس:
“كنتُ ولا أزال أرى أن الحلول العاجلة هي أقصر الطرق إلى الفشل، وكنتُ ولا أزال أرى أن النجاح لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل الدائب المبني على تخطيط علمي”.