المقالات

عندما ودّعت الكتب منازلنا بلا رجعة!!

لطالما كانت الكتب جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان، تحمل في طياتها المعرفة والتجارب والأحلام، لكنها مع مرور الزمن شهدت تحولات كبيرة، وكان آخرها الرحيل عن الكثير من المنازل بشكل تدريجي، حتى أصبحنا نراها اليوم على أرفف قد تكون فارغة أو شبه مهجورة، بينما تتربع على عرش التكنولوجيا الحديثة أدوات ووسائل أخرى لقراءة المعلومات.

لقد كانت الكتب يومًا الصديق المخلص الذي يرافقنا في الأوقات الصعبة والممتعة على حد سواء. كانت تنقلنا إلى عوالم مختلفة، تعلّمنا، وتفتح أمامنا أبوابًا كانت مغلقة. من الروايات التي تأخذنا في رحلة عبر الزمن إلى الكتب العلمية التي تضيء لنا الطريق نحو اكتشافات جديدة، كانت الكتب عنوانًا للغنى الفكري والثقافي.

ومع ظهور وسائل الإعلام الحديثة والتطور التكنولوجي، بدأنا نشهد تغيرًا تدريجيًا في علاقة الناس بالكتب. فقد بدأت أعداد القراء تتناقص مع دخول الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية، التي وفرت بدائل عديدة لقراءة المعلومات من خلال الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر. تطورت هذه البدائل بسرعة كبيرة حتى أصبح بإمكان الناس الوصول إلى أي كتاب أو مقال في لحظة عبر الإنترنت.

وفي هذا السياق، بدأت الكتب التقليدية تودّع منازلنا بلا رجعة. في كثير من المنازل، أصبح الكتاب الورقي مجرد ديكور يزيّن الأرفف، بينما انتقل الجميع تقريبًا إلى الكتب الرقمية والصوتية، حتى إن الكثيرين بدأوا يشعرون أن حمل كتاب ورقي أصبح عبئًا، في حين أن القراءة الرقمية توفر سهولة في الوصول إلى المحتوى في أي وقت ومكان.

تظل مسألة “وداع الكتب” قضية مثيرة للجدل بين المثقفين والقراء. فالبعض يرى أن رحيل الكتب الورقية يعني فقدان نوع من الارتباط الحسي والعاطفي بالكتاب، حيث لم تعد تلك الرائحة المميزة للورق أو الصوت المصاحب للصفحات عند تقليبها متاحة. في المقابل، يرى آخرون أن التكنولوجيا تقدم وسيلة أكثر عملية للوصول إلى المعرفة، وتوفر إمكانية البحث والتصفح بشكل أسرع وأكثر مرونة.

ورغم هذا التحول الكبير، فإن البعض ما زال يرفض فكرة وداع الكتب تمامًا، فما زال هناك من يفضل الكتاب الورقي، ويحمل معه تلك الأرفف المليئة بالكتب التي تمثل جزءًا من هوية منزله وشخصيته. هؤلاء يؤمنون أن الكتاب ليس مجرد وسيلة للحصول على المعرفة، بل هو رفيق رحلة حياة.

وفي النهاية، لا يمكننا إنكار أن تطور وسائل القراءة قد أسهم بشكل إيجابي في نشر المعرفة والوصول إلى جمهور أكبر، لكن يبقى السؤال: هل نحن مستعدون للتخلي عن الكتب كما عرفناها؟ وهل ستظل هناك مساحة للكتب الورقية في عالم يسير بسرعة نحو الرقمية؟

ربما يكون الوقت قد حان لنقبل هذا التغيير، ولكن في أعماقنا ستظل الكتب الورقية جزءًا من ذاكرة الماضي، وذكرياتنا الحلوة التي لا يمكن أن تُمحى مع مرور الزمن.

محمد العواجي

كاتب صحفي - جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى