أخونا عبد الحكيم السعدي من الرجال الأوفياء الذين لا تغيرهم السنين. أنت في المنصب نعم قد يحبك لكن لشخصك وعملك. ، وإذا غادرته أحبك أكثر. عرفته منذ عدة عقود، وعندما ألتقي به بين وقت وآخر أجده كأول لقاء بالضبط، بنفس الاهتمام والتقدير والود. وتشعر كأنك أكثر من يحب ويقدر.
جمعنا عبد الحكيم على مائدة سحور في منزله، وكانت مناسبة لنلتقي بكثير من الإخوة الطيبين، فمنهم من لم نلتقِ به منذ أشهر، وآخرون منذ سنوات، وهناك من لم نلتقِ به منذ عدة عقود. وأحد الضيوف سلّم عليّ وقال: “ما عرفتني؟” وخانتني الذاكرة، أو ربما هي عوامل الزمن التي أخذت منا الكثير. فصمتُّ بعلامات على الجبين تقول: “أعتذر”، فقال: “أنا سلطان السديري، تذكر أيام الطائف؟” طبعًا تذكرت، وأي ذكرى جميلة تلك! وإن لم تدم التواصلات طويلًا، فكل سار في طريقه الذي يسره الله له. لكن كانت تلك المعرفة أثيرة وعزيزة على قلبي، وأيضًا لها حكاية.
كنت مديرًا لمرور الطائف، وكنا نحن والزملاء، عندما نريد أن نغير الأجواء، نذهب إلى قهوة مشهورة في “المسرة”. سواليف وعلوم شباب وشاي وقهوة، لم يكن هناك ترفيه في تلك الأيام سوى ورقة بلوت أو قهوة نلتقي فيها بالأصدقاء، ثم نعود إلى البيت يا شباب.
في إحدى المرات، كان معنا زملاء ضباط التحقوا بالكلية بشهادة التوجيهي، بينما نحن التحقنا بشهادة الكفاءة، التي أعتز بها لأنها كانت فأل خير. كانوا يتحدثون عن أن دفعة التوجيهي أفضل من دفعة الكفاءة، فقلت كردة فعل آنية: “ترى الشهادات سهلة، وسأنال التوجيهي!” اعتذروا وقالوا: “ما قصدناك…” قلت: “وإن كان، فقد حفزتموني!”
كان باقي على الاختبارات حوالي شهر وبعض الأيام، وكان النظام يسمح للضباط، مع تقديم شهادة الكلية أو مدرسة الشرطة إضافة إلى الكفاءة، بأن يختبروا التوجيهي مباشرة من المنازل. فقدمت أوراقي، لكن الوقت كان متأخرًا، فلم توافق إدارة التعليم بالطائف. فأرسلت برقية إلى وزير التعليم آنذاك، الإنسان كريم الخلق المرحوم حسن آل الشيخ، فعمّد بقبولي.
سلّموني الكتب، لكن نقص منها كتاب المطالعة وآخر لا أذكره. بقي من الوقت حوالي أسبوعين، وكنت مصرًا على النجاح. فأتيت بمدرس لغة عربية، فالنحو هو الوحيد الذي احتجت فيه إلى معلم. ثم فكرت في كيفية التغلب على مشكلة الكتابين الناقصين.
كان بيني وبين أبناء السديري ود وتقدير، وخاصة سلطان وتركي، فقد كانا على جانب كبير من الطيب ورفيع الخلق، وكانا أصغر مني سنًا. كان سلطان يدرس التوجيهي، وهي السنة الثالثة الثانوية، فحكيت لهما من باب السواليف عن مشكلتي. فدعاني إلى منزلهم العامر لمشاركتهما مذاكرتهما، خاصة مع حضور المدرس المختص بهاتين المادتين. فكنت أحضر عندما يكون المدرس متواجدًا، وأستمع وأراجع.
المهم، دخلت الاختبار مع كامل دوامي، وأيضًا مع الحضور إلى المقهى حتى أستعرض عضلاتي، يعني يعني… “نحن هنا!” المهم، نجحت، وكان ترتيبي بين الناجحين من أوائل المتقدمين من المنازل.
شكرًا لسلطان محمد الأحمد السديري، الذي غمرني بلطفه وفزعته في تلك الظروف، وشكرًا لحفاوته عندما التقينا على مائدة سحور السعدي. سلطان وإخوته كان لهم الفضل والحق في شهادتي التوجيهية، وهي ما تغلى عليهم، حتى شهادتي الجامعية التي كانت التوجيهي الطريق إليها، فهي بين أيديهم.
أما أنا، فتكفيني كفاءتي، التي هي “على قد حالي”، والتي كانت فأل الخير ووجه السعد.