المقالات

هل نحن كما وصفنا شارع الأعشى؟ (1-2)

مضت عشرون حلقة من حلقات مسلسل شارع الأعشى، ولاحظتُ -رغم طول المسلسل- أن المشاهد لا يشعر بالتطويل، فالأحداث كُتبت بشكل سلس، والسياق الدرامي مقنع ومشوّق.

ويبدو أن الكتابة التركية أفادت الرواية نظرًا لخبرة الأتراك في أحداث المسلسلات وتصويرها ونقلها للعرض التلفزيوني.

وبالعودة إلى المسلسل، فإن الانتقاد يتركّز على الأسلوب الاجتماعي في إخراج علاقات الحب والغزل والمراسلات بين الجيران أو داخل بيئة العمل، مثل حب طبيب العيون لمريضته وخيانته لشرف مهنة الطب، أو حب مزنة لمتحنِّس حديثًا انتهى بالزواج. فهل كان يحدث مثل ذلك فعلًا؟

في الواقع، فإن الرواية -أي رواية- لا تكتب عن جميع أفراد المجتمع، وإنما تكتب عن أبطال القصة الذين هم من عايشوا الأحداث، وهم جزء من المجتمع، وقد يكونون من الأقلية، لكن ذلك حدث، ولا نفترض الكمال لجميع أفراد المجتمع، وإلا لكان مجتمعًا مثاليًا منزهًا من العيوب والمثالب والأخطاء.

وأعتقد أن هناك لدى البعض مبالغة في نقد تسليط المجهر على المجتمع، ومحاولة دائمة لإظهاره بمظهرٍ ينزع عنه إنسانيته، وحق الفرد في الممارسات البشرية وخوض التجارب القابلة للاختلاف والنقد.

لكن هذا واقع عاشته بعض الأسر في فترة زمنية معينة، وقبل اقتحام الحرم، وكان ذلك موجودًا، وعاش المجتمع مرحلة انفتاح في الرياض مع دخول التلفزيون، وفتح محلات السينما في “المربّع”، واستئجار الأفلام من قبل العوائل ومشاهدتها في إجازة نهاية الأسبوع، وأحيانًا في الزواجات. وهذا حدث -ربما- لفئة معينة، مع دخول قصص الأفلام والحب، وتأثر الأفراد بها، وتقليدها، ومعايشتها حتى اكتشفت عزيزة لاحقًا أن الواقع غير الأفلام.

إذًا، فقد كان المجتمع أقل تشددًا في منع سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام، وحتى في العلاقة مع المرأة؛ إذ كان من المعتاد إيصال النساء وخدمتهن، سواء من سكان الحي أو من المعارف والأقارب، دون أن يدخل الشك في النفوس.

أما تزيين المذياع بالقماش تقديرًا لمكانته والاستمتاع به، فقد كان وسيلة لسماع “ما يطلبه المستمعون”، وأغاني أم كلثوم وعبد الحليم ونجاة ومحمد عبده وطلال وغيرهم، وهذا جسّده وجود محلات تسجيلات الأشرطة التي كانت مقبولة في مدينة الرياض، قبل أن يتزايد التشدد، وينكرها المتشددون، وينتهي الأمر ببعضهم إلى القتل في حادثة اقتحام الحرم.

وربما لم يصل الأمر إلى إحراق المحلات، وأعتقد أن ذلك حدث لاحقًا لمحلات الفيديو بعد سنوات من الاقتحام، وشارك في ذلك شباب وشخصيات نالوا عقابهم، لكنهم خرجوا من السجن إلى الإبداع، كأسماء معطاءة في خدمة مجتمعهم.

لذا، كانت أشرطة خلف وحجاب وسالم الحويل تُتابَع، وكان بيت “أم خلوي” مكانًا للأعراس والسامري والطرب، وكانت جلسات الطرب الشعبي لمطربين معروفين محل متابعة الشباب آنذاك.

أما حب الرسائل وباص المدارس، فبعضه كان يُرفض من الأهل لاعتبارات مختلفة، وغالبًا ما تتزوج الفتاة من غير حبيبها، كما حصل لبطلات المسلسل. لكن حدوث مثل ذلك أمر وارد، ومن عايش تلك الفترة العمرية ربما يتذكره.

وبالعودة لمن يقرأ في الحب والغزل في الشعر الجاهلي أو في العهد الأموي، عند يزيد بن معاوية أو عمر بن أبي ربيعة أو غيرهم، أو في العهد العباسي والأندلسي، وما تلاه من أبيات وقصائد حب إلى عهدنا الحاضر، يتأكد أن هذا إطار قد يحدث، وله حدوده في الخطيئة والتوبة ومفهوم “اللّمم”. لكن الحثّ على الزواج المبكر وتيسيره هو الحل بإذن الله.

وقد جسّدت بعض قصص الحب في كتاب محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني، وهو مؤلف كتاب آخر في تفسير كتاب الله.

ويبقى أن ندرك أن العمل الدرامي، مثل رسم الكاريكاتير، وكثير من الأعمال الإبداعية، تتطلب شيئًا من الصدمة، ووضع المكبّر على حالات، ولو كانت فردية. وهذا عمل المؤرخ والكاتب الاستقصائي؛ بحيث لا يتم إغفال أي جزئية. ولو عملنا برأي من يقول: “لماذا تذكرون هذه الجوانب؟” لأغفلنا كثيرًا من قصص العشق والغرام. فالعمل الفردي لا يُغفل، بل يُذكر لأجل دراسته ومناقشته، وليس من باب جلد الذات.

وقصص الحب، سواء كان حبًا عذريًا أو نزوة، يجب ذكرها ضمن سياقها التاريخي. والأجمل في تراثنا أن أجمل قصص الحب وقعت في نجد، مثل قصة ليلى وقيس في الأفلاج، وعبلة وعنتر في عيون الجواء بالقصيم. ويمكن الرجوع إلى كتاب أجمل عشرين قصيدة حب للأستاذ فاروق شوشة، ومعرفة قصة وخلفية كل قصيدة.

وقد تطرّق إلى ذلك أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري في كتابه كيف يموت العشّاق؟، وهي مادة ثرية عن عشق أهل نجد. كما أشار إلى ذلك الباحث الأستاذ يوسف العتيق في مقالة له نشرتها جريدة الجزيرة بنفس عنوان الكتاب، وأضاف إليها: “في وطننا، لا العراق” (الجزيرة، 27 رجب 1425هـ).

وفي حالات متعددة، تكون المبادرة بتزويج الفتاة بأول طارق هو الحل عند ملاحظة سلوكيات معيّنة.

هل ترغب في تنسيق الجزء الثاني بنفس الطريقة لاحقًا؟

د. سعود صالح المصيبيح

مستشار في مكتب وزير الداخلية سابقاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى