المقالات

تأخّرتُ في زيارتي… فرحل قبل أن أودّعه

منذ بداية شهر رمضان وأنا أؤجّل زيارة أخ وصديق قديم في المستشفى، وفي يوم الخميس الماضي قرّرت أخيرًا أن أزوره بعد الإفطار مباشرة، ولكنّي في الظهيرة تلقيت نبأ رحيله… صُعقتُ للخبر، وربما هي المرة العشرون التي لم أتعلم منها الدرس بعدم التأجيل.

نعم، يوم الخميس، الثالث عشر من رمضان، رحل عنّا أخٌ عزيز هو المرحوم بإذن الله إبراهيم محمد حسين البستكي. رحل بهدوء كما عاش حياته… في سلام وهدوء تام.

نسمع من حين لآخر عن تكريم “الأم المثالية” أو “الأم الرائدة”، ولو كان هناك وسامٌ لـ”الأب المثالي”، لَمُنِح هذا الوسام باستحقاق لإبراهيم محمد حسين البستكي؛ لأنه كان فعلًا أبًا مثاليًا بمعنى الكلمة. عالمه كان محصورًا في أسرته فقط. كان محبوبًا بين أصدقائه وزملائه، لكن كل وقته كان مخصّصًا لأفراد أسرته؛ فقد كان حنونًا، رقيقًا مع أولاده، متفهمًا لاحتياجاتهم، داعمًا لرغباتهم حتى وإن جاءت مخالفة لما يريد.

كان التعليم علامةً مميزة لديه، وخطًا أحمر لا يمكن أن يتنازل عنه لأسرته؛ فقد كافح كثيرًا لتعليم أبنائه وبناته الخمسة. ولم يكن التعليم في نظره محصورًا في التعليم النظامي أو الحصص المدرسية، بل كان مدركًا لأهمية التطوير الذاتي والتعلّم خارج الإطار الصفي، حيث كان يسافر مع ابنته لحضور مؤتمر هنا أو ندوة هناك، سواء داخل الوطن أو خارجه.

كان مكمّلًا لشريكة حياته “أم فيصل”، وهي المرأة الحكيمة، قوية الشخصية، فكان هو الملاذ الآمن لبناته، وقد أتقن الشريكان معنى التربية، وكيفية لعب الأدوار بما يحقق مصلحة الأبناء.

رحل أبو فيصل الإنسان، وترك لنا إرثًا عظيمًا في شكل دروس في التربية، ودور الأب في بناء الأسرة. رحل أبو فيصل، المحب للفن، على الرغم من أنه لم يكن رسامًا، لكنه عشق الفن من خلال بناته المبدعات في الفن التشكيلي.

رحل أبو فيصل، الأخ الذي علّمني ألّا أؤجّل واجب التواصل مع من أحب.

إلى جنة الفردوس، أيها الأخ العزيز… نسأل الله لك الرحمة، ولجميع محبيك الصبر على فراقك

د. عبدالحميد الرميثي

أمين عام المؤتمر العالمي للريادة والابتكار والتميز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى