استكمالًا للمقال السابق، فالمجتمع في غالبه محافظ، ومتدين، ومستقيم، ومتسامح مع الترفيه آنذاك قبل اقتحام الحرم، وما تبعه بعد تلك الأحداث من إجراءات بمنع الأغاني في وسائل الإعلام، وتشديد الرقابة على ما يُبث.
بينما كان التسوق مختلفًا، حتى في طريقة لبس المرأة في سوق السدرة، وسويقة، وشارع الثميري، وأسواق الأقمشة، حتى جاءت الأسواق الكبرى والمولات، وطوّرت عملية التسوق برمّتها.
كذلك، مما عاب المسلسل: المبالغة في استخدام بعض الكلمات والحروف كلُكنة لأهل الرياض، وكان من الممثلين من عاش في تلك الفترة وذلك الشارع أو قريب من اللهجة. وكان يُفترض مشاركتهم في المسلسل، مثل علي إبراهيم، وعبدالله السدحان، وعبدالعزيز المبدل، وعلي المدفع، وحمد المزيني، وغيرهم.
وأتذكر أن النشاط الطلابي في تلك الفترة كان من المقبول فيه استخدام آلات الطرب والعود في الحفلات، وأتذكر مشاركة حمد الطيار وغيره في حفلات ختام المركز الصيفي في الرياض، بحضور شخصيات كبيرة ترعى الحفل.
وأعود مرة أخرى إلى أن الروائي الذي يكتب عن معايشته لواقع معيّن لا يُمثّل جميع المجتمع، فسعد عاش قصة حب، ثم تأثر بالتشدد، ثم قُتل في اقتحام الحرم، مخلفًا زوجة، وطفلة، وجنينًا في بطن أمه، بينما سَلِم ضاري وأخوه من التشدد.
فشارع الأعشى جعل من الأغلب على المشاهد أن يمارس التفكير الناقد بزوايا متنوعة، وإن لم يكن، فسنعود فيها إلى أقدار أخرى، وهي التسليم والتعايش، بل ربما وُلِدت مشاعر أكثر عمقًا. فلماذا تصبر الجازي على سلوكيات سعد؟ ولماذا طلب راشد العفو بعد خطئه؟ ولماذا قبلت عواطف بالتخطي؟
عمومًا، دعونا نتحدث عن العلاقات الأخرى.
علاقة الأخوّة: فـ”متعب” مثال يُدرّس في التعاملات، يُفجّر بداخلنا حقيقة نعيشها، فيها عمق مهيب عن ذات الأخ الداعم.
وأبو إبراهيم نموذج لحكمة أفعاله، متعدي أثرها على غيره، اندفاعيته فيها سكون، وهدوؤه يُطفئ صخب ردّات فعله، وخصوصًا في مواقف الخذلان، تحديدًا بصدمته من “عزيزة”.
فالأبوة علاقة متجسدة بدور بطولي.
ناهيك عن العلاقة الأهم، لكثرة صورها في المسلسل، وهي الجيرة، فوقفَت “أم جزاع” مع “وضحى”، تعكس قيادية المرأة، وتمكنها من الاستقلالية، وقدرتها على تحمّل المسؤولية، والثبات، والقوة، وتحليل المشكلات، وصنع القرارات. والتربية، وهي الأهم، فصورة الأم والأب تتطلب قدرات متقدمة. وقد أحسنت “إلهام علي” في توصيل تلك الرسالة. إنها صلابة فرضها عليها حالها.
وبالتالي، فهذه جوانب إنسانية إيجابية في المسلسل، تُخرجنا من التركيز على علاقات الحب والعاطفة فقط.
ثم، إذا كنا ننزّه أنفسنا من المثالب، فلماذا إذًا توجد المحاكم، والشرطة، والسجون؟
نحن مجتمع كأي مجتمع، والشعر، والقصة، والرواية، تحكي لنا تراثنا وماضينا بحلوه ومرّه