المقالات

تمهّل قبل الإرسال

من الظواهر التي تكثر في شهر رمضان المبارك: نشر وتبادل المقاطع الصوتية والمرئية التي تركز على الوعظ والإرشاد والحث على عمل الخير في شهر الخير، ويتم ذلك بشكل متواصل وغير مسبوق، وبخاصة في مجموعات “الواتس آب”.

ويُظهر كثير من الناس مستوى عاليًا من التديّن والتنسّك بدرجة كبيرة وغير عادية تُثير الدهشة. وبرغم أن الدافع لذلك غالبًا ما يكون البحث عن الأجر ونشر الخير في هذا الشهر الفضيل الذي تُضاعف فيه الحسنات وتُكفَّر فيه السيئات، إلا أن بعض الناس لا يُركّز في المادة المُرسَلة ولا يفهم المحتوى الذي تحمله، والذي قد لا يستند إلى أدلة صحيحة. فيسمعه غيره ويظن أنه واجب أو صحيح، وهذا أمر في غاية الخطورة، وبخاصة فيما يتعلق بالعقيدة.

فربما يحمل المُرسِل أوزارًا لم يكن يحتسبها عندما ينشر مقطعًا صوتيًا أو مرئيًا يتضمن بعض البدع أو الشركيات أو المعتقدات الفاسدة التي تشوّه العقيدة وتتنافى مع وسطية الإسلام، كما تتضمن بعض هذه المقاطع تنطعًا، ودعوة للتشدد والتضييق، وغيرها من الموضوعات التي تبثها الفرق الضالة والتي لا تتفق مع سماحة الإسلام، ورسوخ قواعده، وجمال تعاليمه وأحكامه.

ومن هنا، تكمُن خطورة التسرع في نشر المقاطع، وتوسيع دائرة انتشارها ومتابعتها. ومن هذا المنطلق، يجب على كل من يرغب في مشاركة الآخرين بمقاطع أن يفكر في مضمونها قبل الإرسال، ويقيّم مصدرها، لا سيما أن بعضًا من تلك المقاطع منقول من الخارج، ومن أشخاص وجهات قد لا يكونون مصدرًا موثوقًا لتلقّي العلم الشرعي.

كما أن بعضها يُصمَّم باستخدام التلاعب بالذكاء الاصطناعي، حيث تُنسب فتاوى محرّفة بالصوت والصورة، أو تُبث مقاطع تتحدث عن “غيبيات” مصوّرة، فيتوهم المتلقي أن هذا المقطع حقيقة، ويزيد الأمر تعقيدًا حين يربط المُرسِل نشر المقطع بالذمة والأمانة والوعيد الشديد في حال عدم نشره، أو يربط عليه أُجورًا لم ترد في الكتاب والسُّنّة، رغم وضوح التعاليم الشرعية المتعلقة بالجزاء والحساب، وما يُقبل وما لا يُقبل، وما يصح وما لا يصح.

وهنا يدرك الإنسان العاقل أن من يضع للناس حوافز وأجورًا وحسنات لم ترد في الكتاب ولا في السنة، فهو مبتدع ومُحدث في دين الله. وكذلك من يضع الوعيد الشديد الذي لا أصل له في الشرع، بل اعتبر بعض علماء العقيدة أن من اعتقد أنه بوسعه أن يأتي بما لم يأتِ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ارتكب ناقضًا من نواقض الإيمان التي تفسد العقيدة، وقد تُخرج من الملة – والعياذ بالله.

إن شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لتدريب العقل على التروّي والتفكير، وعدم التسرع في قبول الإرساليات والمقاطع والأيمان المغلظة والمساءلات بالله دون تمحيص وتدقيق.

فالحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وما جعل الله علينا في الدين من حرج، وما أوكلنا لأي من خلقه ليعلمنا الشريعة، فالكتاب العظيم والسنة المطهرة منهجنا الواضح، وصراطنا المستقيم الذي يهتدي به المسلم في كل نواحي الحياة، والعلماء الراسخون في العلم دليلنا إن أشكلت علينا المسائل والأمور، وليس لأحد من المسلمين حاجة أن يتلقى معلومات أو مستحدثات أو بدعًا تتعارض مع أصول الدين، وقد تخرجه عن العقيدة الصحيحة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى