
في أجواء رمضان المفعمة بالروحانية والطمأنينة، تتجلى أسمى معاني الكرم في خيمة الإحسان الرمضانية، التي تحولت إلى منارة للضيافة والعطاء في قلب مكة المكرمة. فهي ليست مجرد محطة لتناول الطعام، بل واحة متكاملة يجد فيها ضيوف الرحمن الراحة والسكينة، حيث تُقدم لهم وجبات متكاملة تغذي أجسادهم، وتُشعرهم بدفء التآخي والتراحم.
من فكرة عظيمة إلى واقع جميل يلامس القلوب..
قبل عقد من الزمن، كانت خيمة إحسان بذرة خير بدأت بتقديم الشاي والقهوة ووجبات خفيفة. ولكن بفضل الرؤية الطموحة والتخطيط الدقيق، نمت المبادرة لتصبح مشروعًا ضخمًا يخدم عشرات الآلاف يوميًا. ويعود هذا النجاح إلى الإشراف المتفاني والمتابعة الحثيثة من القائمين على المبادرة، وعلى رأسهم رئيس مجلس الإدارة الأستاذ سليمان الزايدي، والمدير التنفيذي الأستاذ محمد بازيد، والمشرف الميداني الأستاذ عامر عسيري، وفريق العمل بالجمعية،الذين لم يدخروا جهدًا في الارتقاء بهذه الخيمة إلى مستوى يليق بخدمة ضيوف الرحمن.
يستقبل هذا الصرح الإنساني يوميًا بين 25,000 إلى 30,000 مستفيد، ليحصل كل زائر على وجبة متوازنة تبدأ بالتمر والماء والعصائر، وتنتهي بوجبات غنية تمدهم بالطاقة بعد أداء مناسكهم. ومع امتداد الخدمة من الإفطار حتى السحور، يجد المعتمرون ملاذًا يُلبي احتياجاتهم، في مشهد يتجسد فيه جوهر التكافل الإسلامي بأبهى صورة، مما يضمن للزوار تجربة رمضانية مريحة ومتميزة.
ومما يعزز أثرها، موقعها الاستراتيجي عند مخرج أنفاق المسخوطة على طريق الأمير متعب بن عبد العزيز، الذي يُعد نقطة عبور حيوية للمعتمرين العائدين من المسجد الحرام، ليجدوا في استقبالهم مائدة كريمة مفتوحة، تعكس روح الضيافة النقية التي طالما تميز بها أهل هذه الأرض المباركة.
تنظيم متقن.. وقلوب تنبض بالعطاء..
ما يجعل هذه المبادرة رائدة ومتميزة ليس فقط كرمها، بل أيضًا دقة تنظيمها واحترافية تنفيذها. فخلف كل وجبة تُقدَّم، يقف المتطوعين الذين يعملون بروح الفريق الواحد، يحرصون على أن يحصل كل زائر على حقه من الضيافة بأقصى درجات الراحة والسلاسة.
حيث تُخصص أماكن منظمة لتوزيع الطعام، وتُراعى أدق التفاصيل لضمان تجربة مريحة، فلا يشعر المستفيد إلا وكأنه بين أهله وفي بيته. أما خارج حدود الخيمة، فإن العطاء لا يتوقف؛ إذ يجوب المتطوعون ساحات الحرم حاملين الماء والعصائر للصائمين والمصلين، ليصل الخير إلى كل مكان، ويرتسم أثره في كل قلب.
رسالة تتجاوز المكان والزمان..
خيمة إحسان ليست مجرد مبادرة عابرة، بل رسالة إنسانية متجذرة، تعكس التزام المملكة العربية السعودية بخدمة ضيوف الرحمن بأبهى صورة. فكل وجبة تُقدَّم، وكل يد تمتد بالعون، تحكي قصة إيثار ومحبة، وتُجسد قيم الإسلام في أسمى معانيها.
وما يميز هذا العطاء أنه لا يُنتظر منه مقابل، بل هو هبة خالصة نابعة من قلوب محبة، تملأ قلوب المعتمرين بالأنس والطمأنينة، وتنقل مشاعر الامتنان الصادق بكل معانيه.
قيادتنا الحكيمة.. رعاية تُجسد العطاء بلا حدود..
لا يمكن الحديث عن هذا العطاء المبارك دون الإشادة بالدور الكبير الذي تقوم به حكومة المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله، في تقديم كل أشكال الدعم والتسهيلات لخدمة ضيوف الرحمن. فبفضل هذه الرعاية الكريمة، أصبحت مكة المكرمة نموذجًا عالميًا في حسن الاستقبال والتنظيم والخدمات المتكاملة، مما يُشعر كل معتمر وزائر بأنه في أرض العطاء والرحمة.
إن هذه الجهود المباركة، التي تُبذل في كل زاوية من الحرم الشريف ومحيطه، تُبرهن على حرص المملكة الدائم على تقديم أفضل الخدمات لضيوف بيت الله الحرام، في صورة تعكس الرسالة السامية التي حملتها هذه البلاد منذ تأسيسها في خدمة الإسلام والمسلمين.
في الختام، لا يسعنا إلا أن نرفع أسمى آيات التقدير لكل من أسهم في إنجاح هذه المبادرة المباركة، من الجهات الداعمة إلى المتطوعين الأوفياء، الذين نذروا وقتهم وجهدهم ليكونوا جسرًا للعطاء بين أهل الخير وضيوف الرحمن.
وتحية تقدير لرجال الأمن البواسل الذين يسهرون على راحة وأمان ضيوف الرحمن، ويساهمون في تنظيم الحشود بانسيابية، ليؤدي المعتمرون مناسكهم في أجواء من الطمأنينة. جهودهم المتفانية تعكس صورة مشرقة للتفاني والمسؤولية في خدمة بيت الله الحرام.
بصمة خالدة في ذاكرة كل من مر بها..
وما يبقى بعد رمضان، ليس فقط الذكرى، بل البصمة العميقة التي تنقشها هذه الخيمة في قلوب من استفاد منها، شاهدًا على أن الخير لا يعرف حدودًا، وأن العطاء الصادق هو الاستثمار الأبقى.