المقالات

انطباعاتي كمعتمر من رحاب الحرم المكي

وأنا أقف في رحاب الحرم المكي بعد إتمام عمرتي، يغمرني شعور لا يوصف بالسكينة والاطمئنان والامتنان. أرى بأم عيني كيف تحولت هذه البقعة الطاهرة إلى نموذج فريد في التنظيم، والتسهيل، والعناية الفائقة بضيوف الرحمن من الزوار والمعتمرين. فمنذ لحظة وصولي إلى مكة المكرمة، وحتى انتهائي من أداء المناسك، لمست بالفعل مدى الاحترافية والدقة التي تدير بها الجهات المختصة هذا المشهد الإيماني المهيب. فمنذ لحظة الدخول إلى الحرم، كان التنظيم واضحًا في كل زاوية. فرق الأمن والمتطوعون منتشرون بتنسيق عالٍ، يوجهون المعتمرين، ويحرصون على انسيابية الحركة داخل المسجد الحرام وساحاته، مما يجعل أداء المناسك سهلًا ومريحًا رغم كثافة الزوار.
ففي الطواف والسعي، كانت الأمور تسير بانسيابية رائعة، حيث وُضعت مسارات منظمة تستوعب الأعداد الكبيرة، مع تسهيلات خاصة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال العربات الكهربائية والممرات المخصصة لهم. من أبرز الخدمات التي أثارت إعجابي في الحرم المكي، توفير السيارات الكهربائية المخصصة للطواف والسعي، والتي تمثل نقلة نوعية في تسهيل أداء المناسك لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن. هذه الخدمة متاحة في أماكن مخصصة، ويمكن حجزها بسهولة عبر التطبيقات الذكية أو مباشرة من نقاط التوزيع داخل الحرم.
رأيت كيف كان لهذه العربات دورٌ مهم في مساعدة الكثير من المعتمرين على أداء مناسكهم براحة وسهولة، خاصة في ظل الازدحام الكبير في رمضان. إنه مثال آخر على اهتمام المملكة العربية السعودية بتوفير أعلى مستويات الراحة لضيوف الرحمن.
كذلك لا يمكن الحديث عن انسيابية الحركة في الحرم المكي دون الإشادة برجال الأمن الذين يقفون على مدار الساعة، بسعة صدر وتفانٍ لا مثيل لهما. لمست في تعاملهم الاحترام واللطف، حيث يساعدون كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ، ويرشدون الزوار إلى المسارات الصحيحة، ويحرصون على أمن وسلامة الجميع. فجهودهم تمثل صورة مشرقة لإنسانية وأخلاق رجال الأمن في المملكة، الذين لا يقتصر دورهم على الحماية، بل يمتد ليشمل الخدمة والإرشاد والرعاية لكل من قصد هذا المكان الطاهر.
جانب اخر من انطباعاتي ، فمع اقتراب موعد أذان المغرب، تتغير أجواء الحرم المكي إلى مشهد روحاني مؤثر. صفوف من الموائد تمتد في أرجاء المسجد الحرام، وقد أُعدّت بعناية لاستقبال الصائمين. فآلاف الوجبات يتم توزيعها يوميًا، تحتوي على التمر والماء واللبن والزبادي والخبز والفطائر ، في مشهد يعكس كرم المملكة واهتمامها بضيوف الرحمن.لقد رأيت بأم عيني كيف يتسابق المتطوعون والجمعيات الخيرية إلى تقديم وجبات الإفطار، بروحٍ من الإخلاص والرغبة في الخير، في صورة إيمانية تعكس معنى التكافل الإسلامي. فلا يمكن للمرء إلا أن يندهش من مستوى الخدمات المتوفرة على مدار الساعة. مياه زمزم الباردة موزعة في كل مكان، مع توفير أكواب صحية لضمان النظافة. دورات المياه ومناطق الوضوء في قمة النظافة والتجهيز، والخدمات الطبية متاحة عند الحاجة، مما يجعل المعتمر يؤدي عباداته في بيئة مثالية.كذلك لفت انتباهي أيضًا الاستخدام الذكي للتقنية في إدارة الحشود، وتقديم المعلومات عبر شاشات رقمية وتطبيقات إلكترونية، ما يعكس التحول الرقمي الذي اعتمدته المملكة لخدمة ضيوف الرحمن.
إن هذه الجهود المباركة ما كانت لتتحقق لولا توفيق الله، ثم الدعم اللامحدود من قيادتنا الرشيدة، التي تبذل الغالي والنفيس من أجل راحة قاصدي الحرمين الشريفين. أسأل الله أن يجزي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، الله يحفظهم خير الجزاء، وأن يبارك في جهودهم، ويديم على هذه البلاد أمنها واستقرارها، لتبقى مهوى أفئدة المسلمين من كل بقاع الأرض.
وأخيرًا، أقول لكل من لم يزر الحرم المكي بعد: تعالَ وانظر بعينيك كيف يُدار أقدس بقاع الأرض بأعلى معايير الخدمة والإخلاص، وكيف أن المملكة العربيةالسعودية، قيادةً وشعبًا، تسخّر كل إمكانياتها لخدمة المعتمرين والزوار، في مشهد يستحق كل الثناء والتقدير والإشادة والتنويه.

• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى