أجزم بأن أغلب المتعلمين الذي سمعوا بمؤسس علم الاجتماع أو قرأوا عنه دون تعمُّق أوغست كونت لا يعلمون بأنه لا يحمل شهادة عالية بل ولا حتى شهادة جامعية وإنما انصرف إلى تعليم نفسه مكتفيا بشهادة المرحلة الثانوية بعد أن تم فصله مع آخرين من الكلية التقنية بعد ثلاثة أشهر فقط من التحاقه بها …..
إن هذا المفكر العالمي هو الذي أسس علم الاجتماع وهو الذي أسس الفلسفة الوضعية وهي تختلف كثيرًا عن الوضعية المنطقية أو ما يُعرَف باسم حلقة فينا التي كان لها أسوأ النتائج على مسيرة الفلسفة حيث ظهرت فلسفة التحليل ومعها المنعطف اللغوي الذي صرف الفلسفة عن مسارها الصحيح ……
إن الفلسفة الوضعية لأوغست كونت تختلف عن الفلسفة الوضعية المنطقية وتُسَمَّى أحيانًا: (الوضعية الجديدة) إنها تختلف عنها في التأسيس وفي المسار وفي المضمون وفي النتائج لكن البعض يخلطون بينهما ……
كان كونت يعتقد أن المجتمع لا يختلف عن الكون المادي وأنه يخضع لقوانين يمكن اكتشافها ليُدار المجتمع وتُستثمَر طاقاته وفق القوانين الاجتماعية التي يتم اكتشافها …..
يقول رونيه أوبير في كتابه الضخم (التربية العامة): (( يقول أوغست كونت ومن بعده رينان إن الأجداد هم الذين كَوَّنونا على ما نحن عليه)) وهو يعني أن الأمم محكومة بأنساق ثقافية تَكَوَّنت في أعماق التاريخ وأن هذه الأنساق تنساب تلقائيا من كل جيل سابق إلى كل جيل لاحق وأن هذه الأنساق تبقى صامدة لهزات وتقلُّبات التاريخ فهي لا تتأثر بتعميم التعليم لذلك فإنه رغم تطور الأفكار والعلوم فإن الأمم ما تزال تتوارث أنساقها الثقافية فتتطبع الشعوب بنفس الأحقاد التاريخية فالإنسان هو ابن عاداته لذلك يرى كونت: ((أن إرادة الإنسان ليست من صنعه وإنما هي من صنع البيئة التي صاغته))
هذا الرائد الذي علَّم نفسه وأسس علمًا امتد تأثيره إلى مختلف المجالات المتعلقة بالإنسان فالعلوم التي تتعلق بالمجتمعات مثل العلوم السياسية والعلوم الإدارية وعلم التربية وغيرها من الدراسات التي تجعل المجتمع محور اهتمامها إنها كلها تنطلق من الحقيقة التي نبه إليها أوغست كونت وهي أن الإنسان لا يحكمه العقل المحض وإنما هو نتاج البيئة ومحكوم بها ….
