المقالات

نمشي شارع النيل انا وانت سوا

كعادتها، كانت أول المبادرين بزيارة السودان بوفد معتبر عقب تحرير الخرطوم ودحر المليشية المتمرة، فكأنها بمبادرتها تغني “الليلة بالليل، نمشي شارع النيل انا وإنتا سوا”، نعم تلك هي السعودية الشقيقة الكبرى.
في ظلّ التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه العالم العربي، تبرز العلاقات السعودية السودانية كحلقة استراتيجية حيوية، لا تقتصر أهميتها على البُعد الثنائي فحسب، بل تمتد لتشمل الأمن العربي والإقليمي، خاصة في منطقة البحر الأحمر التي تُعدّ شرياناً حيوياً للتجارة العالمية، وأحد أهم مناطق الصراع الجيوسياسي اليوم.
وتربط المملكة العربية السعودية والسودان علاقات عميقة قوامها الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك، والروابط الدينية، والمصالح الاستراتيجية. لكن هذه العلاقة شهدت نقلة نوعية في السنوات الأخيرة، خاصة مع الأزمة السودانية التي اندلعت قبل عامين، حيث وقفت السعودية إلى جانب الشعب السوداني، ليس فقط بدعم سياسي، بل بمبادرات إنسانية ومبادرات سلام ملموسة.
وكان لدور سفير خادم الحرمين الشريفين في الخرطوم علي بن حسن جعفر دور بارز في البحث عن سلام حقيقي في السودان، ولايكفيه منحه وسام النيلين من الدرجة الأولى لجهوده المؤثرة.
كانت مبادرة منبر جد، التي أطلقتها المملكة بالشراكة مع الولايات المتحدة ومصر، علامة فارقة في مسار الأزمة السودانية، والتي كشفت عن مسار التوافق الذي انتهجته المملكة حتى على المستوى الدولي، وحل القضية الأكثر تعقيدا بين الولايات المتحدة وروسيا، مما اكسب المملكة العربية السعودية بعدا جديدا في التوافق على مستوى العالم، ووضع دبلوماسيتها كمعلم يدرس في علوم العلاقات الدولية.
أثبتت السعودية، من خلال مبادرة إرسال وفد عال المستوى إلى الخرطوم التي تلملم جراحها، أنها لا تكتفي بدور المتفرج، بل تتحول إلى فاعل رئيسي في تضميد جراح الاشقاء وصناعة الاستقرار الإقليمي.
اليوم، تواصل المملكة دعمها للسودان، ليس فقط عبر المساعدات الإنسانية العاجلة، بل بخطة استباقية تستجيب لاحتياجات الشعب السوداني للستة أشهر المقبلة. هذا الدعم يأتي في إطار رؤية شاملة تُدرك أن استقرار السودان يعني استقرار الجوار الإقليم العربي والإفريقي، وأن أي تدهور فيه سيكون له تداعيات خطيرة على أمن البحر الأحمر البالغ الأهمية للاستقرار.
يمثل السودان حلقة وصل حيوية بين العالمين العربي والافريقي، ويمثل عمقاً استراتيجياً في مواجهة أي تهديدات قد تمس أمن الطاقة والممرات البحرية.
إن العلاقات السعودية السودانية ليست تحالفاً ظرفياً، بل هي شراكة مصيرية تُبنى على أسس متينة من المصالح المشتركة والرؤى المتقاطعة.
المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان, تدرك أن دعم السودان هو دعم لمستقبل أكثر أمناً للعالم العربي.
والسؤال الآن: هل يمكن تحويل هذا الدعم إلى شراكة تنموية شاملة تخرج السودان من أزمته وتعيد له دوره كشريك فاعل في الأمن الإقليمي بمعناه الشامل؟ الإجابة، بلا شك، تبدأ من الاستمرار في هذا النهج السعودي الحكيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى