عام

عيد الفطر مناسبة للتسامح والتصالح وصفاء القلوب

يحل علينا عيد الفطر المبارك لعام 1446هـ، وهو يوم عظيم من أيام الله، يفرح فيه المسلمون بعد أن أتموا صيام شهر رمضان المبارك وأدوا صلاة التراويح والقيام، واغتنموا الشهر في الطاعات والقربات من صلوات وقرأة قرأن وصدقات . فهو يوم الجائزة، يوم الفرح بإتمام العبادة، لكنه ليس مجرد فرح بالمظاهر، بل هو فرح القلوب الطاهرة الصافية التي تنعم بالمحبة والتسامح. إن من أعظم القيم التي ينبغي أن نغرسها في نفوسنا في هذا العيد السعيد، قيمة التسامح والتصالح، فهو جوهر الأخوة الإيمانية التي أمرنا بها الله تعالى في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: 10). فالأخوة في الإسلام ليست مجرد رابطة دم أو نسب، بل هي علاقة قلوب تجتمع على الإيمان والمحبة، وتزدهر بالتسامح والعفو.التسامح والعفو خلق نبوي عظيم حيث كان النبي ﷺ أحرص الناس على الصفح والعفو، فقد عفا عن قومه يوم فتح مكة رغم أذيتهم له، قائلاً لهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. وهذا نموذج راقٍ للتسامح الذي يجب أن يكون شعارنا في هذا العيد. فكيف نفرح بالعيد وقلوبنا مشحونة بالبغضاء؟ وكيف نهنئ أحباءنا وأيدينا لا تزال ممسكة بالخلاف والقطيعة؟ وقد أوصى النبي ﷺ بالعفو والتسامح، وجعل من يسامح ويتنازل عن حقه في الخصومة هو الأفضل، حيث قال: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” (رواه البخاري ومسلم).فالعيد فرصة لصلة الأرحام ولمّ الشمل ، فالعيد ليس مجرد احتفالية اجتماعية، بل هو محطة لإعادة النظر في علاقاتنا، وفرصة للتواصل مع الأرحام الذين ربما فرق بينهم الزمن أو الخلافات البسيطة. فقد جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: “من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه” (رواه البخاري ومسلم). فصلة الأرحام بركة في العمر وزيادة في الرزق، فكيف نفرّط في هذا الخير بسبب خلافات زائلة؟ فعلينا أن نستقبل العيد بقلوب صافية و بالطرق التالية:
1. البدء بالسلام والمصالحة: لنكن نحن المبادرين بالصلح، فالنبي ﷺ أخبر أن “خيرهما الذي يبدأ بالسلام”.
2. التواصل مع الأقارب والجيران: فلا يليق أن يمر العيد دون أن نسأل عن أقاربنا وجيراننا، فالرسول ﷺ قال: “ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع” (رواه الطبراني).
3. ترك الخصام والقطيعة: العيد فرحة، فلا نتركها ناقصة بحمل الأحقاد، فقد قال النبي ﷺ: “تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا” (رواه مسلم).
4. الإحسان لمن أساء إلينا: فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (فصلت: 34).
فالعيد لا يكون فرحًا حقيقيًا إلا إذا عمّ السرور الجميع، فلا ينبغي أن يكون حزنًا للبعض بسبب قطيعة أو خلاف. فلنمدّ أيدينا إلى كل من بيننا وبينه خلاف، ولنطرق أبواب التسامح، حتى نفرح بالعيد فرحة تامة، خالية من أي منغصات.
ختاما، اقول لكم جميعا عيدكم مبارك، وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، وجعلنا وإياكم من أهل العفو والمغفرة والمحبة.وكل عام وانتم بخير.

• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى