المقالات

تمرد بنات شارع الأعشى وشقيقاتهن (٢-٢)

عين الإعجاب التي أثرتها وفضلتها على عين الناقد لها مسبباتها الوجيهة، التي دعتني إلى أنأكون من أوائل وأكثر “المحتفين” بهذه المسلسلات الثلاثة: “شارع الأعشى”، “ليالي الشميسي”،و”العمة نويرة”، فرحًا بظهور وبروز مواهب شابة متميزة في مجالات كانت تعاني منها الدراماالسعودية، وهي التأليف، كتابة السيناريو، الموسيقى التصويرية، التمثيل، والإخراج.

فما كان يُقدم على الشاشة سابقًا كان مجرد اجتهادات فردية رغبةً في إثبات الوجود ودعمالبدايات. ولا شك أن “التاريخ” سيكون “وفيًا” لجيل من “الرواد” الذين ساهموا في وضعبصمتهم في مسيرتهم الفنية ومسيرة الدراما السعودية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: حسن دردير، لطفي زيني، عبدالعزيز الهزاع، سعد تمام، محمد حمزة، فؤاد ومحمد بخش، سعدخضر، محمد العلي، علي إبراهيم، بكر الشدي، طلال شقدار، عبدالإله نوار، عبدالرحمنالخريجي، وعبدالعزيز الحماد.

أما بالنسبة للممثلات السعوديات، فقد كان لمريم الغامدي، سناء، وفاء يونس، ونوال بخش،وعدد قليل لا تحضرني أسماؤهن، ظهور خجول، حيث كنَّ محتشمات بحجاب أسود أو ملونيغطي رؤوسهن. وكان البديل في معظم المسلسلات السعودية ممثلات مصريات وسوريات يتمتدريبهن على التحدث باللهجة السعودية. ثم جاء بعد جيل الرواد جيل ناصر القصبي، عبداللهالسدحان، فايز المالكي، حسن عسيري، ، أسعد الزهراني، حبيب الحبيب، وبقية الأسماء المتواجدة حاليًا في الساحة.

وعلى الرغم من ضعف الإمكانات ومعوقات “الرقابة” التي كانت تعترض طريق كافة العناصرالمشاركة في أي عمل تلفزيوني نصًا، تمثيلًا، وإخراجًا، إلا أن كل البدايات وما جاء بعدهااستطاعت أن تحقق نجاحًا لا يمكن تجاهله، مما كان له دور كبير في اختصار مسافات طويلةنحو المرحلة المزدهرة التي تعيشها الدراما السعودية حاليًا سينمائيًا، مسرحيًا، وتلفزيونيًا.

فما يُقدَّم اليوم على الشاشة الصغيرة من مسلسلات كوميدية وتراجيدية يعكس هذه المرحلة،وإن كانت التراجيديا قد طغت على الكوميديا هذا الموسم، وكأن منتجي هذه المسلسلات“اتفقوا” فيما بينهم على إثراء الساحة الفنية بأعمال مختلفة تسعى إلى اكتشاف مواهب منالجنسين في التأليف والتمثيل، حيث ظهرت مواهب فذة تمتلك قدرات جيدة في أداء الأدوارالتراجيدية بلا تكلف أو افتعال، كما شاهدنا في المسلسلات الثلاثة: “شارع الأعشى”، “لياليالشميسي”، و”العمة نويرة”.

لكن اللافت كان اختفاء الأعمال الكوميدية “المتقنة” مع غياب الممثل القدير ناصر القصبي،الذي يبدو لي أنه فضل لموسمين متتاليين الابتعاد عن تقديم أي عمل كوميدي في رمضان،ربما لأسباب تتعلق بمرحلة تمنعه من اقتحام “عش الدبابير”، فوجد من الأنسب لاسمهوتاريخه الاكتفاء بتاريخ لا يرغب في تشويهه.

أكتفي بهذا القدر من انطباعات كاتب وناقد صحفي كتب رأيه بعين “الإعجاب”، مرورًا بعينالناقد “الحنين”، على أعمال وطنية جذورها من بيئتنا المحلية، تعكس واقع مجتمع كان يسودبعض أفراده الجهل، قلة الوعي، الطمع، والجشع، كأي مجتمع آخر، وإن كان الخير يغطي علىالشر وينتصر عليه.

أنا سعيد جدًا بالممثلين المشاركين في هذه الأعمال، من ذوي الخبرة والمواهب الشابة، الذينأدهشوني بأدائهم التمثيلي رغم أنهم في بداية انطلاقتهم الفنية. كما أعجبتني النصوصالدرامية التي تؤكد أن الساحة الأدبية والفنية زاخرة بكفاءات سعودية تمتلك موهبة التأليفوكتابة الأعمال الدرامية، متى ما أُتيحت لها الفرصة والدعم.

لكن رغم ذلك، لدي بعض الملاحظات حول البناء الدرامي لهذه المسلسلات، حيث لاحظتوجود ثغرات تتعلق بترابط الأحداث والحبكة والمعالجة الدرامية. فعلى الرغم من وضوح الفكرة وجودة الحوار، إلا أن سيناريو الأحداث يبدو غير مترابط في بعض الحلقات، دون أنيحظى بالاهتمام المطلوب من كتّاب السيناريو، ويشاركهم في هذا الإهمال المخرجون.

أخيرًا وليس آخرًا، كل المؤشرات التي قدمتها هذه المسلسلات على مستوى النص، الأداء،العطاء، والتمثيل، تدل على أن الدراما السعودية مقبلة على نقلة نوعية وقفزات تبشر بالخير،تستحق الدعم والتشجيع. وهذه التطلعات، في رأيي، لا أظنها غائبة عن وزارة التعليم، التي منشأنها أن تفتح أبوابًا كانت مغلقة، مما قد يساهم قريبًا في افتتاح كليات ومعاهد متخصصة فيعالم الفنون بكافة تخصصاتها.

عدنان جستنية

كاتب وناقد صحافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى