كان من الطبيعي في فترة العصور الوسطى، التي مرت بها أوروبا، وهي الحقبة التاريخية التي امتدت من عام 476م إلى وقت اكتشاف أمريكا عام 1492م، أن تمثل الحيوانات والطيور أمام المحاكم القضائية، لنيل محاكمات عادلة تمامًا كتلك التي ينالها الجنس البشري؛ ومردُّ ذلك لكثرة الجرائم التي كانت تقوم بها الحيوانات الأليفة والمفترسة والطيور، مثل إفساد المحاصيل، ورفس الناس، وأكل لحوم البشر وتقطيعها، والعض، وسموم الأفاعي وغيرها.
وكان من الطبيعي جدًّا في تلك الفترة أن تسمع عن مثول فيل “أبو قرنين”، أو بقرة مع زوجها الثور، أو حمار، أو دجاجة مع زوجها الديك، أو طير، أو حتى خنزير كمجرم متهم يقف أمام القضاء، ويصدر بحقهم أحكام قضائية قابلة للتنفيذ مع إمكانية الاستئناف، كالسجن الانفرادي داخل الأقفاص الحديدية، أو الضرب، أو الأشغال الشاقة، وربما الإبعاد إلى منطقة أخرى للعيش بعيدًا، أو الإعدام حرقًا بالنار.
فعلى غرار محاكمة الحيوانات، والتي انتشرت بشكل واسع في كل أرجاء مملكة فرنسا خلال القرنين الرابع والتاسع عشر الميلادي، حدثت في سنة 1474م واقعة مماثلة، فقد مثُل أمام القضاء في مدينة بازل السويسرية “ديك” بعد أن وُجِّهت له تهمة خطيرة بمعيار تلك الفترة، وهي وضع بيضة! وفي تلك الفترة كان هذا النوع من القضايا يُعد جريمة خطيرة وخارقة للطبيعة الحيوانية، حيث كان من المعروف أن وضع البيض هو من مهمة “الدجاجة” فقط، وليست من مهام “الديكة”.
حدث هذا الأمر مع عدم وجود دلائل أو شواهد على حقيقة وضع “الديك” لهذه البيضة، ولكن كل ذلك لم يمنع القاضي في محكمة بازل السويسرية من توجيه تهمة التعامل مع الأرواح والشياطين، واستعمال السحر والشعوذة، في تلك الفترة التي استعرت خلالها عملية مطاردة الساحرات والمشعوذات في كل أنحاء أوروبا. ولهذا السبب، تم اعتقال “الديك” داخل مزرعة مالكه.
وبعد انتهاء المحاكمة وتداول الحكم القضائي، أُدين “الديك” –الذي اكتفى بالصياح والنقنقة (صوت الدجاج) طيلة فترة المحاكمة– بتهمة خطيرة جدًّا، وهي التعامل مع السحر الأسود والشعوذة، وصدر الحكم بإعدام المتهم “الديك” حرقًا بالنار، بتهمة وضع بيضة.
وحول الحادثة، قال رجال الكنيسة إن البيضة الغريبة التي وضعها “الديك” المتهم، لا تحتوي على صفار البيض الموجود عادةً داخل سائل البيضة، مما أدخل الشك والريبة لدى القضاة من أن تكون هذه البيضة من عمل الشيطان الرجيم، أو ربما ينتج عنها لاحقًا وحش غريب كأفعى طائرة، أو تيس بثلاثة رؤوس، أو ربما الوحش الشهير المسمى “كوكا تريس” الأسطوري في تلك الفترة.
وقد جرى تنفيذ حكم الإعدام حرقًا بالنار للمتهم “الديك” في سنة 1474م، في أحد ساحات مدينة بازل السويسرية، أمام أعداد غفيرة من الناس، والحيوانات، والطيور، والزواحف، حيث أُحرق المتهم “الديك” حيًّا مع بيضته التي اتُّهم بوضعها.
حول “بيضة الديك” قال بشار بن برد:
قد زرتنا مرةً في الدهر واحدةً… فاثنِ ولا تجعلها بيضةَ الديك
ماهذا الصباح الذي تعسسنا به معالي د. بكري عساس أصبت بدوار الفطر بعد الصيام وانا اقرأ المقال ، محاكمة الحيوانات والطيور ! عصور اوربا وحقبة الظلام ، عقوبات إعدام ، يخيل لي انها أساطير ، المهم يظل القضاء ملجأ البشر والحيوانات في كل حقبة ومهما كانت القضايا وأنواع المتقاضين .