المقالات

خطبة العيد بين الإطالة والتأثير

في صباحات العيد، لا يخفى على أحدٍ مشهدُ المصلين وهم يغادرون المسجد فور انتهاء الصلاة، متجاوزين الخطبة وكأنها لم تكن، بينما آخرون يجلسون في أماكنهم متململين، ينتظرون انتهاء الخطيب كما ينتظر الطالب جرس الانصراف. هذا المشهد المتكرر يعكس تساؤلًا مهمًا: هل لا تزال خطبة العيد تؤدي دورها التوعوي والتربوي كما ينبغي؟

الخطبة، في جوهرها، إحدى أدوات التوجيه الكبرى في الإسلام، وقد لعبت عبر التاريخ دورًا فاعلًا في تثقيف المسلمين وتعليمهم وتوعيتهم. ومن أبلغ الأمثلة على ذلك خطبة الوداع التي ألقاها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة للهجرة، والتي تُعد درسًا خالدًا في البلاغة والإقناع والتأثير.

لكن واقعنا اليوم يطرح تحديًا مختلفًا. فعلى الرغم من خروج الناس من شهرٍ مليء بالعبادة والروحانيات، كرمضان، فإن خطبة العيد في كثير من الأحيان لا تراعي حال الناس ولا واقعهم، بل تُطيل بلا ضرورة، وتُكرر موضوعات أُشبعت طرحًا في خُطب سابقة، فتفقد كثيرًا من أثرها، وربما تُثقل على المصلين في يوم يُفترض أن يكون يوم فرح وسرور.

من هنا، فإن تجديد خُطب العيد من حيث المضمون والمدة والأسلوب، ضرورة لا ترف. فالرسالة الحقيقية يجب أن تكون مركزة، خفيفة، ومناسبة للمناسبة، تراعي ظروف الناس، وتُلامس مشاعرهم، خاصة في يوم يتطلع فيه الجميع إلى اللقاء والمعايدة وصلة الرحم.

ختامًا
أتمنى من وزارة الشؤون الإسلامية أن تُعيد النظر في توجيهاتها حول خُطب العيد، من حيث اختصار المدة، وتنوع الموضوعات، والتركيز على الفرح ونشر ثقافة العيد، فذلك سيُسهم في تعزيز حضور الخطبة معنويًا، بدلًا من الحضور الجسدي فقط.

إن الخطبة، حين تُحسن صياغتها وتوقيت رسالتها، قادرة على أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في وعي الناس وسلوكهم… أما إن طالت وابتعدت عن واقعهم، فستبقى مجرد جزء من طقوس يحرص البعض على تفاديها، أو على الأقل… مغادرتها مبكرًا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هناك فريق يرى أن توحيد خطب الجمعة والأعياد بحيث يكون هناك فريق إعداد في الوزارة يكتب هذه الخطب ويكون دور الأمام فقط الإلقاء .
    وهناك فريق أخر يرى اختيار الأمام وفق ضوابط عالية جدا من حيث العالم الشرعي والانفتاح على الحياة وأن يكون قادرا على تأليف خطبة تناسب المجتمع وتحمل توجهات مناسبة للمتلقي في الجامع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى