في زخم الحياة وبين صخب العلاقات وتشعبها قد تمر بنا لحظات نغفل فيها عن معانٍ عظيمة إختزلها القرآن الكريم بكلمات قليلة لكنها تحمل أعماقاً إنسانية لا تقدر بثمن. من هذه المعاني، يبرز “الصاحب بالجنب” كرمز خفي لعلاقة ربما تكون مؤقتة في الزمن، لكنها عظيمة في القيمة، ومحلّ عناية خاصة من الله تعالى.
من هو الصاحب بالجنب؟
جاء ذكر “الصاحب بالجنب” في سورة النساء، في قوله تعالى:
“واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً”
وحرى بنا أن نتوقف لحظة عند هذا التنوع البشري الذي أمر الله بالإحسان إليه، ومن بينهم: “الصاحب بالجنب”. فمن يكون يا ترى؟
تعددت أقوال المفسرين، وكل قول يفتح باباً لفهم أعمق:
• قيل: هو الزوج أو الزوجة فهم أقرب الناس إلى جنبك في حياتك اليومية.
• وقيل: هو الرفيق في السفر ذاك الذي يشاركك الغربة والدرب.
• وقيل: هو زميل العمل أو الجار المؤقت أو حتى الشخص الذي يجلس إلى جانبك في لحظة عابرة في مركبة أو مقعد.
• وقيل: هو من يصاحبك دون صلة رحم أو قرابة لكن جمعتكما اللحظة، أو الطريق، أو الهدف.
ولعل جمال هذا الوصف يكمن في عموميته… وفي شموليته… في أنه يجعل الإحسان واجباً ليس فقط على من تحب بل حتى على من تشاركه لحظة في الزمان أو مكاناً في الطريق.
الجانب الإنساني في “الصاحب بالجنب”
ما أرق هذا التوجيه الرباني!
الله عز وجل خالق السموات والأرض يأمر عباده أن يحسنوا لمن رافقهم حتى وإن كانت مرافقة مؤقتة أو سطحية.
تخيل أن القرآن يرفع قدر من يجلس بجانبك في الحافلة أو القطار أو من يعمل معك لبضع ساعات أو حتى من ترافقه في طريق الحج أو العمرة. تخيل أن الإحسان له – ولو بكلمة أو إبتسامة أو دعاء – يعد طاعة لله.
في زمن أصبح فيه الإنسان غريباً حتى عن أقرب الناس تذكر أن لحظة صحبة قد تترك أثراً خالداً. وربما كنت أنت في يوم ما “الصاحب بالجنب” لشخص أنهكه الطريق فكنت له سكناً .. دون أن تدري.
رسالة من القلب
ليتنا نعيد اكتشاف هذا المصطلح الجميل ….
أن نتعامل بلطف مع من يرافقنا لا لأننا نعرفه بل لأن الله أوصانا به.
أن نتذكر أن في كل لحظة قرب هناك فرصة عظيمة لبذر بذور الإحسان.
ولعل دعوة من “صاحب بالجنب” في ساعة صدق تفتح لنا أبواباً من الخير لا تخطر على بال.
“فالصاحب بالجنب” ليس مجرد علاقة بل هو إمتحان من الله في الخُلُق وفي الرحمة وفي كرم النفس.
هو تذكير أن الصلاح لا يقاس فقط بالعبادات الفردية بل أيضاً بكيفية تعاملك مع الناس حتى أولئك الذين يمرون بك مرور الكرام والعابرين.
فكن رفيقاً جميلاً في الدرب… كن كما يحبك الله أن تكون
• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس