ذلك العبقري الفرنسي المذهل بليز باسكال لا يكاد يجهله أي مطلع لأنه عبقري آسر ومتعدد المواهب ومبدع في عدد من المجالات وكان أبوه يخشى على صحته الجسدية من حِدَّة عقله ونيران تفكيره فبينما أن الآباء يحضون أبناءهم على الاجتهاد فإن أبا بليز باسكال كان ينهاه عن التفكير الجاد وينهاه عن الكتابة والتأليف فهو قد كان عليل الجسد كان ضعفه الجسدي يفاقمه توقد عقله لذلك فإن جسده يكاد يذوب من توهج فكره وتوَقُّد عقله لقد كان أعجوبة لا تتكرر إلا في غاية الندرة فحين اطلع ديكارت على بعض إبداعه وهو طفل لم يُصَدِّق أن ذلك إبداع هذا الطفل ….
لقد أدرك أبوه بأن عقله بحاجة إلى التهدئة وليس إلى الحث فلم يُلحقه بالتعليم النظامي وإنما علمه القراءة والكتابة ثم وَكَلَه لعبقريته …..
لكن هذا العبقري الصغير اجتاحته الشكوك الدينية في وقت مبكر منذ صغره فأرغم عقله على الكف عن التساؤلات وأعلن بأن على الإنسان أن يطيع قلبه ويلتزم بإيمانه كما أعلن عما يُعْرف برهان باسكال ….
ورغم أنه تصالح ظاهريا مع شكوكه إلا أن علوم الدماغ باتت تنفي قدرة الإنسان على إسكات شكوك العقل …..
قامت معركة مذهبية بين اليوسوعيين والجانسيين وكان هو في جانب ديربور- روايال فدخل في جدال تاريخي مشهود مع اليسوعيبن ورغم انتهاء الاهتمام بتلك الفترة فإن كتابات بليز باسكال تظل مقروءة لأنها إبداع أدبي مشرق لا يتكرر لذلك يقال بأن اللغة الفرنسية تطورت بنثر باسكال وفولتير …..
يقول المؤرخ جاك شيفالييه: ((لقد كان يُظْهِر نبوغًا مدهشًا فقد تفتحت مواهبه في وقت مبكر وخامرته رغبة قوية في أن يعرف بالتجربة علل جميع المعلولات وألَّف وهو في الحادية عشرة رسالة عن الأصوات وتعلم الهندسة بدون معلم بل لقد اخترعها اختراعًا وكتب وهو في السادسة عشرة محاولة في المخروطيات واخترع وهو في التاسعة عشرة آلته الحاسبة )) وهي التأسيس الأول لعلوم الكومبيوتر إن ظهور أمثال باسكال يشير إلى القابليات العظيمة للدماغ البشري فمع المرونة وتنوع المعارف وقوة الخيال يصبح العقل خارقًا …
واستغرب فولتير أن تجتمع الفصاحة مع الهندسة ومما كتبه عنه فولتير:
((لقد كان باسكال مهندسا وفصيحًا وقد كان اجتماع هاتين الميزتين أمرًا نادرًا جدا ولكن باسكال لم يكتف بهما وإنما قرن بهما صفة الفلسة الحقة))
ويستطيع من يرغب أن يقرأ كتابه (خواطر) وقد ترجمه إدوار البستاني وأصدرت المنظمة العربية للترجمة طبعة جديدة …..
ويوجد دراسة عنه ضمن سلسلة نوابغ الفكر الغربي للدكتور نجيب بلدي ودراسة أخرى لأندريه كريسون ترجمة نهاد رضا كما توجد دراسة عنه للدكتورة راوية عبدالمنعم عباس ….

0