حماس تقوم بتحركات متى ما أرادت، دون حساب لما يجرّه ذلك على أهل غزة المغلوبين على أمرهم من مصائب، وكأنه لا يكفيهم ما هم فيه من معاناة ومصاعب حياة.
ومن نافلة القول وصف إسرائيل بأنها دولة فاشية، محتلة، وظالمة، وهذا أقل ما توصف به.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه ونحتاج إلى إجابة من حماس: نريد فائدة واحدة فقط جناها الشعب الفلسطيني من هذا التحرك! دمار، قتلى، جرحى، تيتم، ترمّل، وآثار نفسية قد تستمر عقوداً.
وطالما أن حماس قررت وقامت بذلك التحرك، فماذا كان تحضيرها لتخفيف معاناة المدنيين؟ هل فكّرت بتجهيز ملاجئ بدلاً من آلاف الأنفاق، خصوصاً للنساء والأطفال، إذا ما هاجمت إسرائيل غزة؟
أم أن تفكيرها أن إسرائيل تموت في حب الفلسطينيين، وبالتالي ستقول: “عفا الله عمّا سلف”؟
أيضاً، هل جهّزت ما يكفي من الدواء والغذاء طالما هي من بدأت بذلك العمل؟
إذا لم يخطر ببالها كيف سيكون رد إسرائيل، فهذا يعني أن الأفق الاستراتيجي لحماس لا يؤهلها أن تكون شريكاً في قيادة شعب، ناهيك عن أن تكون الحاكم بأمره.
فهذا استهتار بأرواح أهل غزة، وكأنها لا تساوي شيئاً.
تساوم حماس على إطلاق الأسرى مقابل الإسرائيليين المحتجزين لديها، وهذا كواقع مفروض قد يُقبل.
ولكنها تسببت منذ بدء الحرب بسجن أكثر من 6000 فلسطيني، خاصة من الضفة. وإسرائيل تُطلق باليمين وتعود لتقبض على المُفرَج عنهم باليسار، مجرّد ضحك على ذقون من يعتقد أن هذا إنجاز.
حماس حكمت غزة، وأنشأت دولة داخل دولة لم تكتمل استقلالها، وأصبح هناك حكومتان ورئيسا حكومتين، ووزراء، وسجون يُحبس فيها كل من يعارضها بكلمة.
لن يُعمّر غزة لا حماس، ولا حزب الله، ولا إيران التي تطبّل لهم وتدفعهم للموت والدمار.
وها هي تدفع اليمن -الواقع تحت سيطرة الحوثي- لنفس المسار بعد أن دمرت سوريا ولبنان.
من سيُعمّر غزة واليمن وسوريا ولبنان هم العرب، وبالذات دول الخليج، الذين لم ينالوا من حماس إلا النكران والجحود.
وأيضاً العرب، بقيادة المملكة العربية السعودية، هم من سيضغطون لقيام دولة فلسطين.
ويخرج الحيّة ليقول: “سلاح المقاومة خط أحمر”، وهو السلاح الذي تسبب في قتل الفلسطينيين، ويخرج نعيم ليقول: “سوف نحرر فلسطين”، ولكنكم زدتم الاحتلال عوناً.
أخيراً، بدأ المواطن الفلسطيني يزيل حاجز التردد، وحسم أمره، وخرج عدد كبير من أهل غزة يتظاهرون مطالبين بإنهاء الحروب وترك حكم القطاع للشرعية.
أما الذين لم يشاركوا، فهم يخافون الاعتقال والتنكيل، وإلا لخرجوا وقالوا مع المتظاهرين: “كفى يا حماس، جرّبتم القطيعة… الحروب… التكاثف مع من لا يريد للأمة العربية أي خير”.
تركتم إخوانكم العرب، وأرتميتم في أحضان إيران. فماذا قدّمت لكم إيران؟ غير السلاح لتكونوا أنتم حطب نار أجندتها، ونحن نحترق بتلك النار شئنا أم أبينا.
رغم كل شيء، نقول بكل ودّ: غادروا هذا المشهد، وقولوا إنها تضحية من أجل الشعب الفلسطيني. ونحن سنعتبر تلك الخطوة عملاً وطنياً عظيماً.
فهل تستمع حماس لكلمة الشعب الفلسطيني، وتنصاع للعقل ولو لمرة واحدة، ولا تكابر، وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار؟
لعلّ وعسى… فأن تصل متأخراً، خيرٌ من ألا تصل أبداً.