المقالات

كَوَّن مجدًا باذخًا من الصفر

عاش طفولة بائسة وتخرج من مدرسة مهنية ابتدائية ليعمل حدادًا وميكانيكيا لكنه انتفض على وضعه الهامشي فصنع لنفسه مجدًا باذخًا حتى نال جائزة نوبل في الأدب ليس هذا فقط بل صار إبداعه مصدرًا لفكر ناضج وأدب رفيع فبات من أبرز المشاهير في العالم وأصبح مقروءًا في مختلف اللغات ….
هذا المبدع الفائق تصلح سيرة حياته أن تُقَدَّم لجميع الأجيال ليدركوا بأن اكتساب الكفايات الفائقة في أي مجال لا يمكن أن يتحقق بتجرع مقررات مدرسية مهما طالت فترات التجرُّع بل بالعكس فإن التجرع القسري يُحدث انسدادً يصعب التحرر منه ……
إن قابليات الإنسان لا يمكن إرغامها على الاستيعاب فإذا أُرغمت كما هو الحاصل بالتعلم قسرًا أو اضطرارًا فإنها تصاب بعزوف معطِّل يلازمها طيلة الحياة فعلوم الدماغ قد كشفت خطورة التعلم اضطرارًا …..
خوزيه ساراماغو مفكر برتغالي وروائي وكاتب أدبي ومسرحي وصحفي وقد صنع ذاته من الصفر عاش مع أبوين أميين فالأسرة كانت شديدة الفقر وقد دخل مجال العمل المهني وهو مازال طفلا وكان يمشي حافيا ثم ألحقته أسرته حين كان في الثانية عشرة من عمره بمدرسة مهنية ابتدائية فعمل حدادًا كما عمل في ورشة للميكانيكا …..
لكنه رغم كل الظروف المعاكسة والأوضاع الضاغطة فإنه كان يحس بأنه يملك موهبة عظيمة في الكتابة أي أنه يريد أن يحقق لنفسه تحوُّلًا نوعيا ولم يكن التحول من عمل مهني جسدي إلى عمل مهني جسدي آخر مغاير وإنما أراد أن يكون كاتبا وهذا تحول نوعي وقفزة هائلة …..
ورغم قسوة الظروف فقد استطاع أن يكتب للصحف ثم التحقق محررًا بإحداها ولكنها لم ترض عن أفكاره الجريئة وهنا نتذكر هنريك إبسن فهو مثله علَّم نفسه ثم صار يغير أفكار الآخرين ربما أن أمثال هؤلاء المبدعين قد أبدعوا لأنهم ليس فقط لأنهم يملكون الموهبة الإبداعية وإنما أيضا لأنهم نجوا من التأطير والتطويع التعليمي فالسوابق عوائق والعقل يتطبع بالأسبق إليه وبديهي أن التعليم تطويعٌ وبرمجةٌ في مسارات نمطية خطِّيَّة ….
يقول: ((لا تغتروا بقشرة الحضارة فلا وجود تحت القشرة إلا للقطران)) وحين وُصِف بأنه متشائم أجاب بقوله:
((لست متشائمًا بل العالم هو المشؤوم إن التشاؤم هو الفرصة الوحيدة المتاحة لخلاصنا إن التفاؤل في هذا العالم المليء بكل ما هو سيء هو شكل من أشكال الغباء؛ أن يتفاءل المرء في عالم فظيع كهذا فهذه بلاهة فظيعة ينم عن انعدام في الإحساس))
إنني أقدم نماذج من المبدعين الذين فرضوا أنفسهم بما أبدعوه فالعالم لم يجامل شكسبير وإبسن وبرناردشو وساراماغو وإنما إبداعاتهم فرضت على العالم احترامهم والإعتراف لهم بالتفوق…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى