جمعان البشيري
اكتب مقالي هذا عن النرجسية وانا أعض على اطراف قلمي ؛ فالنرجسي كائن فريد من نوعه، لا يشبه أحدًا إلا مرآته، ولا يعشق شيئًا كما يعشق صورته الذاتية (يفضل أن تكون مزودة بفلاتر طبعًا). لا يعيش النرجسي في العالم كما نعرفه، بل يعيش في مسرح كبير، جمهوره الجميع، وبطله الأوحد: هو!
للنرجسي ترسانة كاملة من الأسلحة النفسية، ليس من أجل الدفاع، بل من أجل الهجوم…والهيمنة…وفرض الهيبة المصطنعة؛ و من أبرز هذه الأسلحة: “فرق تسد”.! نعم، تلك الحكمة القديمة التي استعارها النرجسي من الحروب القديمة، لكن بدل أن يطبقها في ساحات المعارك، قرر تطبيقها مثلاً على مجموعة ” الواتساب التي تخص الأصدقاء وربما العائلة “، تراه يهمس في أذن هذا عن ذاك، ثم يهمس لذاك عن هذا، حتى يصبح الجميع في حالة من الشك والريبة، بينما يجلس هو على عرشه المصنوع من الفوضى، يشرب قهوته متظاهرًا بالبراءة.!
في عالم النرجسي، لا يوجد منطقة رمادية. إما أن تصفق له، أو تُعدم معنويًا. إما أن تراه عبقريًا، أو تُصنف ضمن “أعداء النجاح”. رأيك لا قيمة له إذا لم يتطابق مع رأيه، بل الأسوأ: رأيك قد يكون “خيانة” تستحق المقاطعة والصراخ عليك علاناً أمام الجميع .
الغريب في الأمر أن هذا الكائن الذي يزعم الاستغناء عن الجميع، لا يستطيع تحمل فكرة الوحدة. هو لا يعيش إلاّ حين يرى انعكاس نفسه في أعين الآخرين، لا يشعر بوجوده إلا حين يسمع تصفيقهم. فإذا تُرك وحيدًا، تجده يذبل كالوردة في ثلاجة الموتى، يكتب منشورات حزينة ثم يحذفها سريعًا حتى لا يُقال إنه “ضعيف”.
قد تراه هادئًا، مبتسمًا، يُلقي الحكم و المواعظ، يروج لمبادئ التسامح و التوازن…لا تصدق.!، هذا مجرد دور تمثيلي جديد في مسرحيته المستمرة، النرجسي لا يعيش بسلام، بل يمارس تمثيلية السلام أمام الجمهور، بينما في الكواليس يخطط لمعركة جديدة: من سأقنعهم اليوم أني المظلوم العبقري .!
النرجسي لا يقبل أن يكون على الهامش. إذا لم يكن مركز الدائرة، فأنه يقرر فوراً أن يمزق الدائرة ذاتها؛ لأنه لا يتحمل فكرة أن يرى الناس مجتمعين بدونه، فإن لم يكن “معهم” فلن يسمح لهم أن يكونوا “معًا” ..! بدون موافقته وتحت إدارته طبعًا.
في النهاية، النرجسي ليس مجرد شخصية… إنه ظاهرة، فيلم طويل، مسلسل لا تنقصه الإثارة ولا المفاجآت. فقط تذكر، إن اضطررت للتعامل مع أحدهم… خذ نفسًا عميقًا، واحتفظ بمرآتك لنفسك، لأنه لا يحب المنافسة.