المقالات

الشركات الصحية الأهلية

يمكن القول إن الرعاية الصحية من أهم مقومات الحياة، وأساسٌ هام من أسس التنمية والازدهار. وفي هذا الإطار، تبذل وزارة الصحة جهودًا كبيرة لا يمكن إنكارها، وذلك في سعيها للوصول إلى أفضل مستويات جودة الأداء الصحي للمواطنين والمقيمين على حدٍّ سواء، كما تبذل جهودًا مشكورة في تلمس الاحتياجات المتعلقة بالتطوير واستشراف المستقبل، لتحقيق المستويات المطلوبة، والوصول إلى الطموحات التي تسعى إليها الدولة من خلال رؤيتها الوطنية 2030.

وقد كشفت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا عن جملة من المشكلات التي تتعلق بالمراكز والمستشفيات الصحية الأهلية، منها ما يتعلق بسوء الأداء، والأخطاء الطبية والإدارية المتكررة، ومنها ما يتعلق بمخالفة أخلاقيات ومواثيق المهن الصحية، وضعف كفاءة الكوادر الوافدة للعمل بها، بحكم حرص الملاك على خفض التكلفة التشغيلية. الأمر الذي يستدعي وقفة جادة لطرح الحلول الممكنة لتحسين أداء القطاع الصحي الأهلي.

ورغم وجود مجموعة شركات للرعاية الصحية في المملكة، إلا أن هذه الشركات تختص بتقديم الدعم التشغيلي كالدواء، والغذاء، وتأمين المستلزمات الطبية، أو تشغيل الصيدليات ومراكز اللياقة، وخلافه. أما المستهدف هنا، فهو إنشاء الشركات الصحية التي تختص بتشغيل المراكز والمستشفيات الأهلية، وهي فكرة تتركز في منح حق الاستحواذ للمستثمرين في القطاع الصحي الأهلي لتشغيل مجموعة من المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة، لتكون هذه الشركات ذات كيان اعتباري يمكن التعامل معه وفقًا لأنظمة وقوانين الاستثمار العام.

ومن المؤكد أن مثل هذه الفكرة لا تغيب عن ذهن معالي الوزير النشط الأستاذ فهد بن عبدالرحمن الجلاجل، الذي يصبّ كل جهوده وتركيزه لتطوير الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين والمقيمين.

والحقيقة أن مكاسب الفكرة كثيرة ومتنوعة، من أهمها توطين الوظائف، وتشغيل جميع الكوادر الصحية التي لم تجد الفرصة في القطاع الحكومي، مما يقلل نسبة البطالة، وحصر التعاقدات مع الأجانب في التخصصات النادرة التي لا يتوفر فيها مواطنون. كما أن ذلك التشغيل سيكون مرتبطًا بأنظمة وعقود العمل التي تعطي كامل حقوق الموظف، وتُقلص الفوارق بينه وبين الموظف الحكومي، مما يشجع خريجي الكليات الصحية على الالتحاق بهذه الشركات والعمل فيها في ظل الاستقرار الوظيفي وجودة المزايا.

وفي جانب آخر، ستُصبح عملية الحوكمة وقياس مؤشرات الأداء وضبط وتوكيد الجودة لهذه الشركات ممكنة وميسّرة، حيث يمكن معها وضع معايير أداء، ومعدلات توطين الوظائف، ونسق التشغيل، ومن ثم التصنيف المحلي، والمنافسة العالمية. لكي يترتب على ذلك الدعم الوزاري، ومن ثم استمرار النمو وتحقيق التنافسية.

علمًا بأن قيمة هذا الدعم ستكون أقل كلفة من تشغيل الكوادر السعودية في القطاع الصحي الحكومي، علاوة على انخفاض كلفة التشغيل التي تتحملها وزارة الصحة من خلال المراكز والمستشفيات الحكومية، في ظل جودة أداء القطاع الأهلي، وارتفاع معدلات ثقة المجتمع السعودي فيه، مما ينعكس على تسويق خدماته.

ويمكن القول أيضًا إن من أهم المكتسبات من الشركات الصحية اختفاء ظاهرة الاستنزاف المالي للمريض، التي تمارسها بعض المستشفيات الأهلية، حيث يتم تحميل المريض فوق طاقته من حيث توسيع الاحتياج العلاجي، وارتفاع أسعار العمليات. إذ ستسعى هذه الشركات إلى تقديم التخفيضات والحوافز المتعلقة بسرعة العلاج، وجذب أكبر عدد ممكن من المراجعين، وتخفيض أسعار العمليات والمراجعات والاستشارات، مما يعطي الفرصة لجميع طبقات المجتمع للحصول على الخدمة الصحية المطلوبة.

وأخيرًا، ستُسهم هذه الشركات في تخفيف العبء عن المستشفيات الحكومية، وتحقيق التنافسية معها، وهذا كله ينعكس على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، ويُعطي الفرصة أيضًا لتحقيق مراكز متقدمة عالميًا في مجال الخدمات الصحية.

وبالمقابل، سيحصل المشغلون لهذه الشركات على مزايا عديدة، منها التسهيلات الاستثمارية، والسماح بالتوسع المستمر في حال نجاح الشركة وثبات أدائها. وتُصبح عملية الاستثمار في هذه الشركات هدفًا جيدًا لأصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال، نظرًا لثبوت جدواها، وضمان عوائدها، وتحقيقها للسمعة الطيبة التي تحفّز على الاستثمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى