تماهت الحقائق مع الأوهام في هذا الزمن، وصار الباطل يُسوَّق كأنه فضيلة، وأصبح الكذب والخيانة كهواءٍ فاسد يتسلل إلى وعينا كلما فتحنا نافذة أو أشعلنا شاشة. الخائن لا يرى في نفسه إلا مظلومًا أو بطلًا مغرَّراً به. ينسج الأعذار، ويبرر لنفسه فعله، ويُقنع ذاته بأنه لم يُخطئ. لكنه، في أعماقه، يعلم أنه طعن ما لا يُطعن، وأنه باع ما لا يُباع.
قال تعالى:
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ}
الراعي الذي يفاخر بالذئب لا يحب الخراف، بل يخونهم. ومن ينكر الجميل، خان الأمانة، وتنكّر لخبز الوطن وملح الأرض. أن تواجه أسدًا مفترسًا أمامك، خير من أن يطعن ظهرك كلب خائن من خلفك. فالخيانة لا تأتي من بعيد، بل من أقرب المقربين.
قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُوا۟ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَّحْنُ نَعْلَمُهُمْ}
الكذب قد يسبق الحقيقة، يركض حول الأرض قبل أن تنتعل حذاءها، لكن الحقيقة، حين تنهض، تُسقط كل الأقنعة. في مستنقع الأكاذيب لا تسبح إلا الأسماك الميتة، وفي ظلمات الزيف لا يعيش إلا من اعتاد القبح. هؤلاء الذين باعوا أوطانهم وقيمهم بثمن بخس،نجس هم الحاقدون المدلّسون، الكذّابون، الحاسدون، المتملقون، الخائنون…
يسترضعون الكذب، يقتاتون اللؤم، يشوّهون الحقائق، ويبثّون السموم، ويعيشون على حساب المغفّلين، أولئك الذين يُصفّقون لهم ثم يندمون.
وها هي المحكمة الجزائية المتخصصة تصدر حكمًا ابتدائيًا بالقتل بحق خمسة عشر مدانًا من أفراد خلية التجسس الإيرانية، ضمن شبكة مكوّنة من اثنين وثلاثين إرهابيًا؛ ثلاثون منهم سعوديون،
إضافة إلى إيراني وأفغاني، بعد إدانتهم بالتجسُّس والتخابر مع عناصر من المخابرات الإيرانية للإضرار بأمن المملكة.
لقد انكشف الغطاء، وسُجِّلت الخيانة في دفتر التاريخ، كما قال تعالى:
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ أُو۟لَـٰٓئِكَ فِى ٱلْأَذَلِّينَ}
في الأزمات، لا نخسر الآخرين، بل ننكشف على حقيقتهم. المواقف تَفرز، الأقنعة تسقط، والتاريخ يوثّق الخيانة بمدادٍ لا يمّحي، كما قال الله تعالى: {وَٱللَّهُ يَكْشِفُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ}

0