المقالات

بكاء العيد على أطلال القُرى !

منذ سنوات طويلة والكل يؤمن ويدرك بأن عيد القرية يتفوق على عيد المدينة في كافة الجوانب الاسرية منها والاجتماعية وكذلك من حيث التكاتف والتعاون والألفة بين أفراد القرية الواحدة خاصة لمن خاض تجربة العيد في القرية والمدينة .
إلا إنه ولأول مرة منذ اكثر من نصف قرن شعرت بأن العيد في القرى والهجر بات ينطبق عليه قول المتنبي :
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.
بما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
ولم يكن هذا الشعور من فراغ ولكنه نتيجة لإحساس وحزن داخلي وواقع ملموس مؤلم شاهدته هذا العام في أكثر من قرية يتضح من خلاله الشعور باختفاء أو اندثار معظم مظاهر العيد السعيد في تلك القرى ، حتى أن العيد نفسه بات يقف باكياً على أطلال كل قرية متذكراً تلك الأيام الخوالي التي كانت تضاء فيها اضواء اسطح المنازل وأسوارها ليلة الإعلان عن ثبوت رؤية هلال العيد حيث كانت تحول تلك الاضواء ليل القرية الدامس إلى نهار مشع فتنافس به اضواء المدينة وتشعرك بصخبها الليلي ، وتلك الألعاب النارية التي كانت تحول سماء القرى إلى لوحة فنية يعجز عن رسمها اكبر فنان تشكيلي ، وتلك الفرحة التي ترتسم على وجوه الكبار قبل الصغار بعد الفراغ من اداء صلاة العيد وهم يقدمون لبعضهم التهاني بمناسبة حلول العيد .

وإذا ما رجعنا بالذاكرة إلى الوراء لعشرات السنين فإننا سندرك أن عيد القرية كان له رونقه الخاص وطقوسه الساحرة البسيطة التي تتكرر كلما حل في ارجائها العيد والتي تتمثل في زيارات الأهل والأقارب وكافة أفراد القرية صبيحة يوم العيد ، وما يصاحبها من فرحة باللقاء ، وفلكلورات شعبية وإفطار جماعي يتناول فيه الجميع المأكولات القديمة والحديثة سواء على سفرة واحدة ، أو من خلال زيارة أفراد القرية لكل شخص في منزلة ومشاركته فرحة العيد وترديد عبارة ( عاد عيدكم ) والرد عليها من قبل أهل المنزل بقولهم ( وعيدكم يعود ) تلك العبارات التي ما زال صداها يتردد في ركن كل بيت من بيوت القرية فكانت تلك المظاهر رغم بساطتها من اكثر المحفزات على توافد أبناء القرى القاطنين خارجها قبل العيد بيوم أو يومين ليشهدوا ويشاركوا من يسكنوا فيها احتفالاتهم وفرحتهم بحلول يوم العيد .

وختام القول فإن الأعياد في القرى لم تكن في الماضي مجرد أيام اجازة تقضى ،ولا ليالي معدودة فتنسى ،بل كانت موسماً للفرح والتلاقي والتعبير عن البهجة والسرور عند حلول العيد فكان لها نكهة خاصة وطعم مختلف فهي مزيج من الفرحة والسرور والأهازيج الشعبية المعبِّرة التي كان يرددها الجميع كباراً وصغاراً يتشاركون فرحة العيد في مكان واحد تجمعهم الأخوة والقرابة والتألف والترابط وسفرة المحبة التي ندرك أنها ستبقى بإذن الله رغم كل التغيرات والتحولات في مظاهر العيد في الوقت الحالي في أغلب القرى ، وستبقى بحول الله وقوته كافة العادات والمظاهر التي مارسها الآباء والأجداد في أعيادهم عنوانًا للأجيال الحالية والقادمة التي يجب أن تدرك أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال غرس حب القرية ، والتمسك بالعادات والتقاليد على مدى الأزمان وعاد عيدكم وعيدنا يعود .

وخزة قلم :
لم يعد أبناء القرى يحرصون على العيد بها حيث اغرتهم أعياد المدينة بصخبها وأزيز شوارعها المزعج !

عبدالرحمن العامري

تربوي - كاتب صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى