المقالات

أُذُن “ترامب” للبيع.. والدفع بالدولار!

✍️ جمعان البشيري

في خبر قد لا يبدو غريبًا على من اعتادوا العيش في ظل الواقع العربي العجيب، تداولت وسائل الإعلام – وما أكثرها حين يتعلق الأمر بالهراء – خبرًا عن بيع “أُذُن ترامب” نعم، عزيزي القارئ، الأُذُن التي نسمع بها، أو بالأحرى، الأُذُن التي سمع بها العالم كله!

الخبر لم يأتِ من باب المزاح، ولا من باب حملة توعوية عن أهمية حاسة السمع، بل جاء من باب التجارة؛ حيث أُعلن عن عرضٍ مغرٍ: قطعة من التاريخ الأمريكي، تمثّل أُذُن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، للبيع في مزاد عالمي، وكأن الرجل لم يكن يكفينا وهو بكامله، يزعزع الاقتصاد، حتى بدأنا نشتريه قطعًا للغيار!

والسؤال هنا ليس: من يشتري أُذُن “ترامب” ؟ بل: من يملك رفاهية التفكير في الشراء أصلًا؟

والأدهى والأمرّ: من يملك رفاهية التفكير في البيع؟!

ففي الوقت الذي تُعرَض فيه أُذُن “ترامب” بـ”سعر رمزي” بالدولار، يُعرَض المواطن العربي للبيع مجانًا، بلا ضمانات، وبلا سياسة إرجاع!

هل رأيتم المفارقة؟ نحن نعيش في زمن إذا أردت أن تمتلك شيئًا ذا قيمة حقيقية، فعليك أن تكون إما فاحش الثراء من الأصل، أو مفلسًا بكامل جلابيب الأناقة، وأما أن تبيع شيئًا من جسدك، كمن يبيع إحدى “كليتيه”، أو إحدى “خصيتيه” – أكرمكم الله – فربما يكون الأمر مقبولًا نوعًا ما؛ ولكن غير المقبول هو من يسعى لبيع مبادئه، وربما أخلاقه، وربما عرضه، من أجل الشهرة والثراء السريع، بأي طريقة كانت!

نحن اليوم لا نبحث عن شراء أُذُن “ترامب” ، بل عن كيلو بندورة، وكيس أرز، وحفنة سكر، ومدة ملح، وخيشة بصل، وطبق بيض، قبل أن تشتعل ميزانية الشهر بفواتير الكهرباء، والجوال، وباقة الإنترنت، ومستحقات البنك من القروض والالتزامات المجدولة، ونتدارك الرواتب التي أضحت تشبه إشعارات الخصم البنكي: تظهر للحظة وتختفي دون أثر.!

وفي ظل هذه الظروف، هناك من قرر أن يستثمر بالدولار في… أُذُن “ترامب” ! يا لها من رؤية اقتصادية ثاقبة! يملك خطة استثمارية تشمل أعضاء رؤساء سابقين ليُشبع جوعه ونهمه في حب التملك!

من يدري؟ لعلّنا سنرى قريبًا عروضًا أخرى:

شعرة من حاجبَي “بوتين” تضمن لك الكاريزما والصرامة، أو ضرس من ضروس “بايدن” للاستفادة من خبرة الشيخوخة السياسية، و كيف يعض به على قرارات سياسية، و لو كانت نتيجتها القضاء على كل كائن على وجه الأرض ! وربما بقايا أظافر مقصوصة من “ماكرون” تأتي مع هدية: صابونة فرنسية!

ولا نعلم: أَنضحك أم نبكي ؟ على بيع أُذُن “ترامب” ؟

والأجدر بنا العويل والبكاء واللطم ، فالسياسيون يبيعون عقولنا كل يوم، دون أن ندري! بالمجان، أو على قولتهم: “ببلاش” ! 

على الأقل ” ترامب ”  ما زال يحتفظ برأسه في مكانه، بينما نحن طأطأنا رؤوسنا، بل فقدها بعضنا، منذ أن ضُرِبت مفاصل الاقتصاد!

في الختام، إن كان لا بد من الشراء، فاشترِ أُذُنًا تسمع بها صراخ الأسعار في وجوه الأيتام والأرامل والمشرّدين في كثير من البلدان العربية.

لا تشترِ أُذُنًا كانت سببًا في كثير من الضجيج العالمي، وإن عُرِضت عليك أذانُ رؤساء الاتحاد الأوروبي جميعًا، فاشترط أن تأتي معها “بطاقة أَذن” للعبور إلى دولة لا يُباع فيها الإنسان، ولا تُعرَض فيها الكرامة والمبادئ على رفوف الأسواق، بالجملة أو بالحبة، أو بالكيلو، أو بالمزاد.!

جمعان البشيري

محرر صحفي - جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى