المقالات

القدرات البشرية… من الاستثمار في الذات إلى النهوض بالشأن العام

انطلاقًا مما يدور من مناقشات غنية ورؤى متجددة في مؤتمر القدرات البشرية المنعقد حاليًا، في الرياض وجدتُني مدفوعًا للكتابة حول هذا المورد العظيم الذي قلّ من يستثمره كما ينبغي.
لقد أكّد المؤتمر في محاوره أن بناء الأوطان يبدأ ببناء الإنسان، وأنّ الطاقات الكامنة في العقول والقلوب إنما هي ثروات مكنونة لا تقل شأنًا عن النفط والمعادن، بل هي أعظمها أثرًا وأبقاها نفعًا.
القدرات البشرية لا تقتصر على تحصيل الشهادات أو تراكم الخبرات فحسب، بل تشمل طيفًا واسعًا من الإمكانات: التفكير النقدي، الإبداع، الذكاء العاطفي، مهارات القيادة، المهارات الفنية ، القدرة على التكيّف، وصناعة القرار. ومتى أُحسن اكتشافها وتوجيهها، تحوّلت إلى روافع للتنمية ومفاتيح لحل الأزمات.
ورأينا في تجارب واقعية كيف أحدث الاستثمار في الإنسان فرقًا حقيقيًا:
في سنغافورة، صعدت البلاد من مرتبة دول العالم الثالث إلى قمة الاقتصادات المتقدمة، ليس بفضل الموارد، بل عبر استثمار العقول.
• وفي رواندا، خرجت من ظلمة الحرب إلى نور التنمية عبر تمكين الإنسان وتعليمه وصقل مهاراته.
• وفي وطننا، تشكّل رؤية المملكة 2030 بنية استراتيجية واضحة لاستثمار القدرات الوطنية، عبر برامج مثل “تنمية القدرات البشرية” و”مسار التمكين” وغيرها.

غير أن ما نحتاجه اليوم، ليس فقط تمكين القدرات في ميادين العمل، بل أيضًا توجيهها إلى الشأن العام، أي إلى خدمة قضايا المجتمع وهموم الناس. فالمجتمع لا يرتقي بالخُطب، بل بعقول مبادرة وسواعد تعمل، ونفوس تضع المصلحة العامة فوق المكاسب الضيقة.
إنّ من القصور أن تبقى طاقات الأفراد محصورة في الإطار الشخصي، بينما يتعطّش الفضاء العام إلى المخلصين من المفكرين والمبدعين وروّاد التغيير.
والمؤسسات، في هذا السياق، مطالبة ببناء بيئة تُطلق فيها هذه الطاقات، وتُزيل ما يعترضها من معوقات البيروقراطية والتقليدية، لتصنع إنسانًا فاعلًا لا متلقّيًا، شريكًا لا تابعًا.
وقد لخص النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله:
“خيرُ الناس أنفعهم للناس”،
ليدلّنا إلى أن معيار الخير والتميّز ليس ما نملكه، بل ما نقدّمه.

مؤتمر القدرات البشرية هو تذكير عميق بأنّ الأمم لا تُقاس بما لديها، بل بمن لديها.
والعقول حين تُغذّى بالعلم، وتُحرّر من الخوف، وتُوجّه نحو الغايات الكبرى، فإنها تُبدع وتبني وتُغيّر.
وما أجمل أن يكون كل واحد منا مشروع نهضة صغيرة، تسعى لتكون لبنة مضيئة في جدار الوطن الكبير
شكراً لقيادتنا الحكيمة برعاية ملكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز ايده الله وقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الامير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه على ما تحقق لنا في هذا المجال وكل المجالات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى