المقالات

حين يحِنّ التراب ويُضيء الحنين: قراءة في “شمس وجميل الوجود” ل (أسماء الحربي)

في كتابها القصصي “شمس وجميل الوجود”، تأخذنا الأستاذة أسماء الحربي في رحلة عبر أربع محطات إنسانية وفلسفية، تختبر فيها النفس الإنسانية على جميع مستوياتها: الحب، الغياب، الانكسار، والإيمان.
كل قصة تقف مستقلة بذاتها، لكنها تنتمي إلى نسيج شعوري موحّد، أشبه بمقطوعات من سمفونية واحدة، أو مرايا لذاتٍ تبحث عن خلاصها في عالم يمور بالتشظي.
1. يظل التراب يحن للماء”، قصيدة الحنين المُرّ:
هنا تبدأ الرحلة مع “جميل”، رجل جرفته الحياة حتى ظن أنه فقد ملامحه. في هذه القصة، نتابع انكساره النفسي، شعوره بالغربة داخل عائلته، ثم لجوئه إلى ذاته.
إنها قصة عن الرجل العربي الذي تعلم ألا يبكي، لكنه ينهار أخيرًا في حضرة الصداقة، الفن، والحب المؤجل.
اللغة شاعرية حادة، مليئة بالحسرة النبيلة، كأنّ كل جملة ترسم دمعة، أو تمسح أخرى.
2. إني أشتاق لوجودك من بعدي، كيف تكونين؟”، عن الغياب والعتبة بين الوهم والحقيقة
تتشكل هذه القصة كقصيدة رمزية تُروى بريشة، تبدأ من رسم لوحة وتنتهي إلى احتمال أنها كائنٌ حي، أو روح غامضة.
تتقاطع هنا أسئلة الهوية والحب والألم، وتتشكل الفانتازيا النفسية التي تُمكن الإنسان من أن يرى ذاته في عيون رسمها بنفسه.
اللوحة/المرأة/الذكرى… كلها رموز في قصةٍ تنتمي إلى أدب الواقعية السحرية بنكهة عربية خالصة.
3. وحدها الأصوات من تبقى حية فينا”: مرثية لضحايا الصمت
في هذه القصة، الصوت هو البطل. الأصوات التي ترافقنا، تلك التي لم نقوَ على قولها، أو التي خذلنا صداها.
إنها أقرب إلى تأمل داخلي عميق عن تلك اللحظات التي نعيشها دون أن نشاركها، وكيف تبقى “الأصوات” في أحيانٍ كثيرة أصدق من الأفعال.
الكتابة هنا تقترب من النفس البشرية بحذر ومحبة، وتُضفي على الصمت كرامته المنسية.
4. صاحبة العينين التي كل من رآها دخل الجنة”، القداسة الممكنة في الحب:
عنوان شِعري مدهش، يفتح الباب أمام قصة عن الحب كخلاص، والأنوثة كنجاة، والنظر كعبور.
في هذه القصة، تتقاطع الرمزية الصوفية مع التجربة الحياتية، وتبدو المرأة هنا ليست فقط معشوقة بل علامة، إشارة، أو “جسر إلى الجنة”.
النصوص تنساب كالدعاء، كأن الكاتبة تكتب بالقلب أكثر من القلم، وتمنح الحياة فرصة أخرى للتجلي.
ختامًا: الكاتبة التي جعلت الألم أدبًا:
في مجموعتها هذه، تبرع أسماء الحربي في تحويل الألم إلى أدب، والانكسار إلى اكتشاف، واللوحة إلى مرآة.
إنها تكتب لا لتواسي فقط، بل لتعيد تشكيل العلاقة بين القارئ وذاته، بلغة شفافة لا تهادن، وبأسلوب إنساني نقي، يجعلنا نصدق أن “جميل” ليس مجرد اسم، بل حالة نمر بها جميعًا.
“شمس وجميل الوجود” ليست فقط مجموعة قصصية، بل طقس أدبي حميم، يعيد للكتابة دورها الأول: أن تكون ملاذًا.

لاحظت على العمل بعض هنَّات شأنه شأن كل جهد بشري، ومنها:
بعض الفقرات والمقاطع تطول دون ضرورة فنية، ما قد يؤثر على الإيقاع السردي ويجعل بعض الأجزاء مثقلة عاطفيًا بشكل زائد عن الحاجة.
كما أن التنقلات بين الذاكرة والحاضر، والواقع والخيال، غير ممهّدة في بعض المواضع، مما يجعل القارئ يشعر بالتيه المؤقت.
لاحظت أيضا في بعض الصفحات، تتكرر الانفعالات والانكسارات بتشابه تعبيري، مما يقلل من أثرها التراكمي لو لم تُراجع بدقة.
من خلال قراءتي للعمل، يمكنني القول إن “شمس وجميل الوجود” تنتمي إلى نوع فني خاص يقع بين القصة القصيرة والرواية القصيرة المتقطعة (novella-in-stories)، أو ما يمكن تسميته بـ:
“مجموعة قصصية مترابطة – Linked Short Stories”
وليس (رواية) كما كتب على غلافه.
صدر العمل عن مركز الأدب العربي للطباعة والنشر عام 2024.

أخيرًا … هذا العمل يشي بميلاد قاصة/ روائية متجاوزة عثرات البدايات، ولديها ما تقوله، وتعرف أيضّا كيف تكتبه بحرفيّة واقتدار.
ولمثل هذا فليعمل العاملون.

خلف سرحان القرشي

مؤلف ومترجم ومدرب في الكاتبة الإبداعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى