كنت دائمًا — وما زلت — أنصح الأصحاب والزملاء الكتاّب بعدم الخوض في تفاصيل جهة العمل، تمامًا كما لا تفضح أسرار بيتك أو تنشر غسيلك على حبال الإعلام. فالعلاقة بين الإنسان وجهة عمله أشبه بعلاقة الزوج مع حماته: قائمة على الاحترام المتبادل والتجاهل المتبادل أحيانًا!
لكن يبدو أن الكابتن القدير يوسف خميس، رجل الدفاع المدني السابق، والنصراوي المخضرم، وصاحب ذاكرة خانه التمييز هذه المرة— قد قرر كسر هذه القاعدة الذهبية، وسكب دلواً من البنزين فوق قضية مشتعلة أصلًا.
ففي لحظة حماسة أو “شرارة عاطفية”، خرج الكابتن بتصريح ناري يقول:
“أنا مسؤول عن كلامي أمام الله.. رافع الرويلي لا يزال على رأس العمل، وقد رأيته بعيني يحرج المهاجمين ويلعب مع منتخب الدفاع المدني هذا الموسم!”
تصريحٌ كفيل بتحويل “الاحتجاج النصراوي” من مجرد شكوى إلى فيلم أكشن عبر المنتصف.وجاء تصريح الكابتن خميس مثل جهاز إنذار الحريق في معسكر تدريبي: دوشة بلا نار!، لكن قبل مضي 24 ساعة عاد رجل الدفاع المدني بذات السرعة، ويمسك بخرطوم الاعتذار قائلاً: “آسف يا جماعة.. طلع اللاعب اللي شفته اسمه مزيد السبيعي، والرويلي ما له شغل!”.
هناك من قال: سامحك الله يا كابتن.. هذا ليس تشابه أسماء، بل تشابه مواقف! والمشكلة ليست في التصريح نفسه، بل في “الولعة” التي سببها، والتي استدعتك لإخمادها بنفسك بعد أن قمت بإنعاشها بنفسك
ختامًا.. تبقى الأسئلة حائرة تبحث عن إجابة:
ما الدوافع التي دفعت الكابتن يوسف خميس للمغامرة بهذا التصريح، على حساب الموضوعية في الطرح، والمصداقية في النقل، بل وحتى على حساب مبادئ الأمن والسلامة التي يفترض أن يتحلى بها رجل الدفاع المدني؟.
وكيف سيتلقى المشاهد تصاريحه القادمة بعد هذه “العثرة الإعلامية”؟ هل سيُمنح فرصة ثانية، أم سيتم استقباله بتحفظ؟
ثم سؤال بريء يتسلل: هل كانت دورة الدفاع المدني التي أشار إليها تُقام ليلًا؟ ربما… فقد تكون “زاوية الرؤية” عند الكابتن خميس لم تكن في أفضل حالاتها، أو أن “الكشاف” كان بحاجة لتغيير البطاريات!
في اعتقادي المتواضع، وبكل براءة لا تقل عن براءة “سرحان عبد البصير” في مسرحية شاهد ما شفش حاجة، فإن المسؤول — بضغطة زر واحدة — يمكنه معرفة نظامية مشاركة الرويلي.
لكن يبدو أن “الحكمة المؤسسية” ارتأت أن تترك الأمور قليلاً، حتى يتسنى لنا استعادة بعض من مشاهد الزمن الجميل، وسماع أحدهم يصرخ:
“أنا شفت الراجل وهو بيلعب… بس مش متأكد هو كان مين!
تمنيت لو أن الخلوق يوسف خميس، في برنامج المنتصف، أمسك زمام القضية من «المنتصف» فعلًا، دون التطرق لجهة العمل… فقديمًا قالوا: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق.
ما أروع ما سطّره قلمك، فقد جمعت بين السخرية الذكية والتحليل العميق في مقال يستحق أن يُدرّس ضمن “دورات التعامل مع زلات اللسان ذات العواقب الجماهيرية”!
لقد نجحت – وببراعة – في الإمساك بخيوط الموضوع من جميع زواياه، كمن يطفئ حريقًا وهو يحمل في يده الأخرى ولاعة! والحق يُقال، لم تترك لنا كقراء فرصة لنفعل سوى الابتسام بدهشة، والتصفيق بإعجاب، والتساؤل بدهشة: “هل نضحك على الحدث أم على ندم صاحبه عليه؟”
أما الكابتن يوسف خميس، فقد دخل الميدان كما يدخل رجل الدفاع المدني إلى ساحة بلاغ كاذب؛ بسرعة، وبكامل العتاد، ثم خرج معتذرًا وكأن شيئًا لم يكن، متعللًا بتشابه الوجوه، أو ربما — على الأرجح — بعطل طارئ في نظارات “الحكمة المهنية”.
لكن، من يدري؟ لعلها كانت محاولة بريئة — أو مغامرة إعلامية غير محسوبة — لاستعادة بعض الأضواء التي خبت، أو ربما اختبار حيّ لقوة ذاكرة الجمهور، ومدى صبرهم على “المطابقات الوهمية”.
بالمجمل، أشكرك استاذ عبدالله على هذا الطرح الشائق، الذي التزم باللباقة رغم جرأته، وسلّط الضوء على إشكالية لا تليق فقط بالبرامج الرياضية، بل تصلح لتكون مادة دسمة في نقاشات الأخلاقيات المهنية، ولو بشيء من الضحك.
دمت ممتعًا… وصاحب “كشاف” لا تنفد بطارياته!
تقبل مروري ودمت بود
جمعان البشيري