في زحام الحياة حين تتكاثر الأحمال على القلوب وتضيق الصدور بأسئلة لا إجابة لها ننسى أحياناً أن هناك وعداً ربانياً لا يتبدل ونافذة رحمة لا تغلق.
ولأن الله يعلم ما يختلج في صدورنا من حيرة وضعف جاءت آية تفيض حناناً وتسكب طمأنينة لا توصف:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
ما أروعها من آية! لم يقل الله *“قل لهم”* كما هو الحال في كثير من الآيات بل أجاب بنفسه سبحانه وتعالى مباشرة دون وسيط: “فإني قريب” .. وكأنه يسرع في الطمأنة يبادر بالاحتضان يسارع بالإجابة.
إنها آية ليست فقط وعداً بل دعوة مفتوحة ونداء رباني للقلوب التائهة: اقتربوا فالقرب بيننا ليس بحاجة إلا لنبضة صدق ولهمسة رجاء.
*ومن هنا كانت هذه الخاطرة*
يا سامع الهمس في جوف العتمة
يا من إذا ناجاك عبد .. قلت: “إني قريب”
دعوتك يارب لا حجاب بيننا
ولا مسافات .. سوى نبض يجيب.
رفعت كفي وقلبي بين ضلوعي انحنى
ناديتك سراً فسمعت من لطفك صدى
قلت لي: لا تخف فالباب مفتوح
وإن دعوتني .. فأنا القريب أنا المجيب “سبحانك”.
ظننتني وحدي والحزن يعصرني
لكن في الخفاءِ كنت أقرب من وريدي
فهمست: يارب
فأشرقت في روحي شموس الرجاء.
ليس بيني وبينك جدار
ولا بين ندائي وإجابتك انتظار
دعائي إليك .. طريق هدى
وإيمان قلبي هو المفتاح والقرار.
يا منزل السكينة في صدر الداعي
يا مجيب من سجد وناجى وبكى
هبني يقيناً لا تهزه العواصف
واجعل قلبي لا يهوى سواك ولا يشقى.
إذا ضاقت بي الأرض .. وسُدّت الأبواب
ذكرت أنك قريب أقرب من كل الأحباب
فدعوتك باسمك الذي يحيي الأرواح
فجاء الفرج كغيث نزل بعد جفاف.
يا من تحب أن تُسأل وتكرم إذا سُئلت
علمني كيف أكون عبداً يقبل ويستقيم
واجعلني من الذين إذا دعوك .. أجبتهم
ومن الذين إذا استغاثوا .. لم تخذلهم.
*همسة في آخر الطريق*
يا أحبة القلب ..
إن الدعاء ليس فقط وسيلة طلب بل هو صلة قرب خضوع واعتراف بأن كل شيء بيد الله.
وقد قال الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم:
“الدعاء هو العبادة”، وفي رواية: “مُخ العبادة”،
فكيف يغفل القلب عن ما هو لب الإيمان وروحه؟
فلنكثر من الدعاء في الرخاء قبل الشدة في السعة قبل الضيق ولنتذكّر دوماً أن في كل رفعَة يد هناك خضوع يحبه الله وفي كل “يارب” صدى يسمع في السماء.
لا تؤجل دعاءك ولا تظن أن همسك لا يسمع .. فـ**“فإني قريب”**
قريبة هي رحمة الله قريب هو الفرج قريبة هي الإجابة لمن صدق وأحسن الظن فى الله.
فلتكن هذه الخاطرة تذكرة لنا جميع .. أن نطرق الباب الذي لا يغلق وأن نلجأ لمن لا يرد سائلاً ولا يخيب داعياً.
* عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس*