المقالات

قراءة متعمقة في رواية رجل يبحث عن أنثى

تتطرق الروائية د. سونيا مالكي في هذه الرواية إلى قضية اجتماعية متشعبة الأبعاد، فهناك مشكلة الطلاق، ومشكلة تعدد الزيجات، ومشكلة الخلافات الزوجية، ومشكلة تدخل الأهل في شؤون أولادهم المتزوجون، ومشكلة الزواج من أجنبية، ومشكلة إقامة الزوجة في بيت أهل الزوج، أو إقامة الزوج في بيت أهل الزوجة.. واختارت المالكي بطل روايتها (كمال) ليكون نموذجًا للرجل الذي يعيش في خضم تلك المشكلات، والعيش في أجوائها، من خلال زيجاته المتعددة التي فشلت جميعها باستثناء زيجته الأخيرة من ابنة عمه خديجة التي ظلت تحبه لسنين طويلة من طرف واحد ليكتشف في نهاية المطاف أنها مرفأ أحلامه.
وسنكتشف من خلال التنقل بين فصول الرواية أن بحث كمال عن زوجة لم يكن يستند إلى معايير معينة، ومواصفات خاصة، بل كان همه الأكبر أن تكون تلك الزوجة جميلة وحسب.
هناك أيضًا البعد النفسي في الرواية، ويتجسد في معاناة كمال في طفولته من معاملة والده التي تختلف عن معاملة هذا الوالد لأخيه التوأم جمال، وغيرة كمال من جمال المتفوق دراسيًا. كما أن لون بشرة كمال السمراء بالمقارنة مع بياض بشرة جمال وزرقة عينيه شكل مركب نقص آخر لدى كمال. ومن السهل أن ندرك منذ البداية أن كمال محب للفتيات، وله مغامرات معهن منذ الصغر، فكثيرًا ما ضبطته أمه وهو يلعب “عروسة وعريس” مع آمال بنت الجيران!.
وكان كمال يؤمن بأن الحب والجمال عمودا الحياة، وبدونهما تصبح الحياة جافة ومملة، وبدونهما تصبح الحياة شجرة بلا ثمر، وبحر بلا موج، ووردة بلا رائحة. ونراه يشبه النساء الجميلات بالطواويس والفراشات، الطواويس بألوانها الزاهية وذيلها البديع الذي يبهج النظر عندما يتفتح كما تتفتح الزهور، والفراشات التي تعشق الورود والأزهار وتبهر الناظرين بألوانها الزاهية التي تجعلها من أرق الكائنات وأجملها منظرًا. وقد نجحت الكاتبة في تجسيد هذا المعنى من خلال صورة الغلاف لشاب وسيم تحوم حوله الفراشات وهو يجول في عالم غارق في الأحلام.
زيجات كمال الست جعلته يقتنع في نهاية المطاف أن كل النساء يتشابهن في الظلام، ففي الظلام تختفي ملامح الجمال ويحل محلها ملامح البوح وهمسات العشق الدفيء. ولعله من الإجحاف النظر إلى كمال على أنه زير نساء، أو “رجل مزواج”، فلو كان بهذه الصفة لجمع بين أكثر من زوجة في بيت الزوجية، ، لكن الأصوب وصفه بأنه رجل سيء الحظ، أو رجل لا يحسن التعامل مع النساء، أو رجل ضعيف الشخصية، فهناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه لو لم تتوف زوجته التركية الثانية “إيديل” التي أنجبت له عبد الله لما تزوج غيرها.
لم تكن حياة كمال سهلة، ولم يكن محظوظًا منذ نشأته، بدءًا من ولادته العسرة، عكس أخيه جمال الذي سبقه في الخروج إلى الحياة بتسعين دقيقة، وكانت غيرته من أخيه جمال الأجمل والأكثر عقلانية ورصانة والأقوى شخصية، والذي حصل على منحة للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تفوقه الدراسي سببًا في سفره إلى بريطانيا لمحاولته الدراسة هناك، لكن فشله في اللغة جعله يعود أدراجه إلى وطنه ومعه الزوجة الأولى (فيفيان) التي نجح في الإيقاع بها في زمن قياسي لا يتجاوز بضعة أيام!.
ولم يكن كمال يفهم حقيقة أن من أهم عوامل نجاح أي مشروع زواج بين الرجل والمرأة القواسم المشتركة بينهما، وهو ما اكتشفه في نهاية المطاف عندما اقترن بابنة عمه خديجة التي كانت تتمتع بقدر كبير من الثقافة، التي كانت هوايته الأولى التي اكتسبها من خلال مخالطته لعمه جلال، وجعلت منه كاتبًا معروفًا.
لكن بالرغم مما كان يتمتع به كمال من ذكاء، إلا أنه لم يكن يتعلم من أخطائه، ولم يستفد من تلك الأخطاء مما كان له الأثر في فشله المتكرر مع كل زواج جديد. لكن نجاحه في نهاية المطاف في الوصول إلى غايته المنشودة من خلال الاقتران بابنة عمه خديجة التي لم تكن فائقة الجمال جعله يغير قناعاته بأن الجمال وحده ليس كافيًا لتحقيق السعادة الزوجية.
الرواية عبر فصولها الأحد عشرة وشخوصها الثرية وأسلوبها السلس وما تضمنته من معلومات ومعارف متنوعة تعكس الثقافة الغزيرة للكاتبة وإلمامها الواسع بأدب الرحلات، وأماكن وأسماء المدن والبلدان، وعادات وتقاليد الشعوب، وقدرتها على الغوص في أعماق النفس البشرية وما تزخر به من مشاعر وأحاسيس، الرواية بهذه الخصائص والمواصفات تعتبر إضافة حقيقية في فن الرواية السعودية الحديثة

د. إبراهيم فؤاد عباس

مؤرخ ومترجم وكاتب - فلسطين

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى