المقالات

التريث في اتخاذ القرارات مطلب عقلاني

في حياة الإنسان، تتوالى المواقف التي تتطلب منه اتخاذ قرارات حاسمة، بعضها شخصي، وبعضها أسري، ومنها ما يتعلق بالمجتمع أو العمل. إلا أن الملاحظ في سلوك بعض الأفراد أنهم يندفعون نحو اتخاذ قرارات مصيرية بسرعة، ومن منطلق ردود فعل عاطفية أو انفعالية، دون تمهل أو تروٍ، ودون استخارة أو استشارة أو حتى استنارة بأهل الخبرة والعلم. وهذه العجلة غالباً ما تكون لها تبعات مؤلمة، وعواقب وخيمة، ليس فقط على متخذ القرار، بل على الأطراف المرتبطة به أيضاً. إن اتخاذ القرار بشكل سريع قد يُفسَّر خطأً بأنه نوع من الحزم أو دلالة على قوة الشخصية والقيادة، بينما الواقع يشير إلى أن التسرع قد يكون مؤشراً على ضعف التقدير وسوء التقدير للعواقب. فالقائد الحقيقي، والعاقل المتزن، هو من يتريث، ويتأمل، ويفكر ملياً قبل أن يُقدم على قرار قد لا يمكن الرجوع عنه لاحقاً، أو قد يتسبب في ندم دائم.
وقد ورد في الأثر: “التأني من الله والعجلة من الشيطان”، وهي قاعدة عظيمة تُرشدنا إلى أن التريث سلوك محمود، يتسم بالحكمة والتوازن، ويعكس عمق التفكير وبعد النظر. ومن هنا تأتي أهمية الاستخارة والاستشارة، فكم من قرار كان نتيجته الحسرة والندم، لأنه اتُخذ تحت تأثير الغضب أو الحماس الزائد أو الرغبة في الرد السريع!
إن العقلانية لا تعني التردد، وإنما تعني أن تُعطي القرار حقه من الدراسة والتفكير، وأن تزن الأمور بميزان الحكمة والتجربة، خصوصاً عندما يكون القرار مؤثراً في حياة الأسرة أو مستقبل العمل أو مصير علاقات اجتماعية أو وظيفية.فالتريث لا يعني الضعف، بل هو دليل على النضج، ويدل على إدراك الإنسان لثقل المسؤولية، وفهمه العميق لما قد يترتب على قراراته من نتائج لا يمكن أحياناً إصلاحها أو التراجع عنها. ختاما، علينا أن نُربي أبناءنا وطلابنا ومن حولنا على قيمة التريث، ونُعزز ثقافة الاستشارة والاستخارة، ونغرس فيهم أن التأني ليس تأخيراً، بل هو حماية من الندم، ووقاية من الخطأ، ومفتاح لصواب القرار.

• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى