
كشف استاذ الخط العربي والفن الاسلامي بجامعة ام القرى ، البروفسور عبدالله بن عبده فتيني، في سياق حديثه الإعلامي لصحيفة ” مكة ” الالكترونية ، بمناسبة إعتماد الخط الأول والخط السعودي، واللذين أطلقتهما وزارة الثقافة مؤخراً، ان هذه الخطوة جاءت لتعزيز الهوية الثقافية للمملكة، ومواكبة التطورات المتسارعة في عالم الرقمنة والمعرفة.
البروفسور ” الفتيني” قال أن قيام وزارة الثقافة قبل يومين بإطلاق “الخط الأول” و”الخط السعودي”، أنهما يُجسّدان ملامح الهوية الثقافية الوطنية، والمستمدة من النقوش والمصاحف والمصادر الأصيلة في الثقافة العربية ، مشيرا إلى أنه قد جرى تطوير الخطين بدعم من الهيئة السعودية للملكية الفكرية، ودارة الملك عبدالعزيز، ومبادرة مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، وبمشاركة خبراء محليين ودوليين.
وأفصح الدكتور عبدالله فتيني ، أن إطلاق الخط الأول والخط السعودي يأتي ضمن مشاريع تطويرية عديدة نفخر بها نحن أبناء الوطن ، مثل انشاء مركز سمو الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط لعربي ، ليكون منارة لعلم وفنون الخط العربي في العالم ، وكذلك تفرد المملكة العربية السعودية بالاحتفاء بعام الخط العربي ، ولا يخفى على ذي بصيرة المشاريع الضخمة والمبادرات الكبيرة التي تهدف وتصب في مصلحة واحدة وهي المحافظة والارتقاء بالخط العربي ، كذلك تزعم المملكة العربية السعودية لملف ادراج (فن الخط العربي) ضمن قائمة الفنون العالمية باليونسكو.
وأوضح البروفسور ” الفتيني” أن إطلاق الخط الأول والخط السعودي يأتي ايضا ضمن هذه المشاريع الطموحة جدا لإبراز الخط العربي ولن تكون اخرها ، خاصة وأن أرض المملكة العربية السعودية – رعها الله – تشكّل الخلفية التاريخية المحفزة لمشروع الخط الاول والخط السعودي ، وهي كذلك مهد الكتابات العربية ، حيث تشير المصادر التاريخية إلى الأقوام العربية التي كانت تقطن الجزيرة العربية مثل الدولة (السبأية) و (الحميرية) الذين سكنوا جنوب الجزيرة العربية ، كانت لهم كتابة عرفت باسم الكتابة (المسمارية) أو خط المسند الحميري، وكذلك في شمال الجزيرة العربية قامت مملكة (المناذرة) وتحديدا في الحيرة، وعرفت كتابتهم (بالخط الحيري) وفي الشمال الغربي من الجزيرة قامت دولة (الانباط) وكانت لهم عاصمتان الأولى في وادي موسى بالأردن والثانية في العلا وما يعرف بمدائن صالح بشمال المدينة المنورة ، والأنباط اخذوا كتابتهم من الآراميين الذين كانت كتابتهم معروفة من جانب الفينيقين والكنعانيين ،وكل هؤلاء الأقوام العربية سكنوا الجزيرة لاعربية وشكلو بحضارتهم حلقة كبيرة ومهمة في سلسلة الحضارات العالمية، وكانت ابرز ملامح أوجه حضاراتهم هي فنون (الكتابة)، حيث نلاحظ أن من الخط النبطي خرجت الكتابة العربية التي كانت موجودة في مكة المكرمة ، وكتب بها المصحف في زمن النبي المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وجمعت بها المصاحف في عهد الخليفة الراشد ابي بكر الصديق -رضي الله عنه – وكتبت منه عدة نسخ في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان- رضي الله- .وكما نلاحظ خروج القران الكريم مع الفتوحات الإسلامية من هذه البلاد الطاهرة لينشر العلم والنور في أرجاء العالم كله ..والخط المدني الذي كتب به القران الكريم وتم نشر عدة نسخ منه في ارجاء العالم الإسلامي كانتت له صورتان صورة يابسة مربع وأخرى لينة مقورة وتم الاستفادة من هاتين الخصيصتين وغيرها من خصائص الكتابة المدنية في تصميم الخطين الجديدين الخط الأول والخط السعودي .
البروفسور عبدالله الفتيني أشار إلى أنه وفي ظل هذا التطور الثقافي الذي تشهده المملكة في جميع المجالات الثقافية، نجد منظومة الخط العربي كأحد اوجه الثقافة في الوقت الحاضر ، والتي تاتي امتداداً للبعد التاريخي العريق للجزيرة العربية، التي كانت ملتقى الحضارات الإنسانية كالسومرية والبابلية، وكانت قاعدة للحضارات الأخرى، التي جاءت بعدها ومازالت آثارها موجودة بالمملكة العربية السعودية، كالعلا وتيماء والفاو ، وغيرها من الآثار التي حبا الله هذه الأرض الطيبة، ، ومن خلال الثقل الديني والسياسي والاقتصادي والثقافي العالمي الذي تحظى به المملكة العربية السعودية، لكونها مهد العروبة والإسلام ووجود الحرمين الشريفين فيها قبلة العرب والمسلمين والاهتمام بكتاب الله- عز وجل- ، وعلوم الدين الحنيف واللغة العربية وأداتها المميزة الخط العربي؛ و لا يخفى الجهود الحثيثة التي بذلت -ومازالت تبذل – على الحفاظ الموروث الثقافي الخطي في المملكة العربية السعودية ، ومن ذلك جاء إطلاق الخط الأول والخط السعودي إيماناً من وزارة الثقافة بأهمية الخط العربي، ودوره في تشكيل الهوية الثقافية الوطنية، بوصفه الوعاء الفني الإبداعي الذي احتوى الثقافة العربية عبر تاريخها الطويل، لذلك نجد أن هذا المشروع يهدف إلى تعزيز حضور الخطوط العربية بهويتها الأولى في التطبيقات المعاصرة، تحقيقاً لمستهدفات الاستراتيجية الثقافية الوطنية، ومستهدفات رؤية السعودية 2030م المتمثّلة في العناية باللغة العربية، وتنمية المساهمة السعودية في الثقافة والفنون.
وحول تجربة البروفسور عبدالله الفتيني في مشاركته الشخصية ضمن الفريق الذي عمل على تطوير هذين الخطين؟ قال الدكتور “الفتيني”: شاركت مع الفريق الذي عمل على تطوير هذين الخطين في مرحلتين فقط ، المرحلة الأولى المبكرة حين قدمت ورشة عمل لشرح القيم الفنية في الخط المدني، حيث قمت بالتحليل الجمالي لحروف الخط المدني الذي كتب به المصحف في القرن الأول الهجري، وكنت قبل ذلك قد قمت بنشر بحث علمي يهدف الى وضع قواعد فنية لحروف الخط المدني ، وقدمت تلك الورشة بداية للفريق الفني المرشح للعمل وكان يتكون من عدد من المصممين والخطاطين ومبرمجي الحاسوب ، ثم كانت لي مشاركة في نهاية المشروع ، وتزامنت مع ظهور الأبجدية المقترحة لكلا الخطين ، وكان دوري مرة أخرى في جزئية التجريب لاستحداث مكونات وتراكيب خطية من كلا الخطين .
وفي سياق إجابة البروفسور عبدالله فتيني عن كيفية استُلهام تصميم “الخط الأول” و”الخط السعودي”؟ كشف الدكتور ” الفتيني” إلى أنه تم أولا عمل دراسة مستفيضة للخط المدني وتطوراته خلال القرن الأول الهجري، حيث تم استخلاص نصوصه من القران الكريم المبكر في عهد الخلافة الراشدة، ومن النقوش الصخرية والبرديات المنسوبة الى القرن الهجرى الأول ،ثم قام بعكس التوجهات التصميمية للخط الأول روح الخط الموجود في تلك النماذج الخطية المسخلصة من المصاحف القديمة والنقوش والبرديات وغيرها بالجزيرة العربية في القرن الأول الهجري، مع مراعاة وضوح صور الحروف وقايساتها الفنية والجمالية ، ومن تلك الأبجدية للخط الأول تم استلهام التوجهات التصميمية للخط السعودي لتكون مرتبطة بهوية وثقافة المملكة، مع مراعاة القواعد الكتابية والأصول الفنية المستخدمة في الخط الأول وتطبيقها بطريقةٍ معاصرة.
وحول المنهجية العلمية التي قام عليها المشروع؟ بين البروفسور عبدالله الفتيني إلى أن المنهجية العلمية التي أرتكز عليها أعتمدت على التحليل العلمي ، وإيجاد مناخ للتكامل في التخصصات بين فن الخط العربي وعلم المخطوطات، وتاريخ الفن، وعلم اللغويات، والتصميم والبرمجة الرقمية، وقد شمل هذا النهج عدة مراحل مهيكلة بدقة، بدأت بالدراسات البحثية، تلاها عدد من الزيارات الميدانية، ثم المقارنات المعيارية والتحليل العلمي الدقيق للنقوش بصفتها مصدر إلهام، مع دراسة المخطوطات للتأكد من نتائج التحليل، والاعتماد على خصائص التحليل الأولية، والأدلة التصويرية في تطوير الخط المستلهم من المصادر إلى خط عربي قابل للتعليم الخطي، وأضاف أنه ليس فقط للاستخدام الطباعي، كما تنظيم ورش عمل في الخط والتصميم، والتي أختتمت بمراحل دقيقة من المراجعة والتقييم، مع مراعاة الحفاظ على قواعد الخط من مصادر الاستلهام، ومراعاة الجوانب الجمالية والإبداعية للتصميم.
وعن أبرز القواعد التي عمل عليها هذا المشروع؟ قال البروفسور ” الفتيني”: تم العمل على بناء النموذج الخطي حسب توجه كل خط، فجاء (الخط الأول) في أسلوب يحافظ على خصائص الخطوط الأولى من مصادر الإلهام في القرن الأول الهجري مع سمات تصميمية خاصة به، بينما (الخط السعودي) يمثل استلهاماً إبداعياً معاصراً ويحمل الاسم (السعودي) لتعزيز استخدامه على المستوى الوطني فيما جاء (الخط الأول) ليراعي الليونة وسهولة الاستخدام، ويربط الحاضر بالماضي عبر تطبيقات الخط المرقمن، ورسم هذا الخط ووضع قواعد فنية وجمالية له، مع وضع أبجدية فنية تعليمية لأصول الخط، وقواعده البسيطة، ورقمنته، وتوفيره بناءً على أفضل الممارسات. واضاف ” لعل ذلك يوضح لماذا تم اختيار مسمى (الخط الأول) ،لأنه يشير الى الخط المدني بتطوراته خلال القرن الهجري الأول.