قديمًا قيل : ” حب الظهور يقصم الظهور ” ، وهو ما جعلته في ناصية مقالي وعنوانًا لظاهرة مجتمعية تفشّت وانتشرت كالنار في الهشيم ، وبدايًة ” يؤكد علم النفس أن سمة حب الظهور ولفت النظر هي حاجة نفسية غريزية لا تختلف كثيرًا عن غيرها من الحاجات البيولوجية الجسدية كالحاجة للطعام والهواء والشراب والحاجات العاطفية والاجتماعية الأخرى كالحب والعطف وكسب الاحترام ” .
وأعتقد أن سبب حب الظهور والاستعراض لدى البعض هو ” الخوف الضمني ، وعدم الثقة بالنفس ، والشعور بالنقص ” ، وأن حب الصدارة تشريف وليس تكليف ، وكذلك لأجل الإطراء والمديح .
وإذا كان العقلاء يتجنبون الظهور لما يترتب عنه من ويلات ؛ فإن للجهلاء ومحبي الظهور فئات ؛ فمنهم من أدمن وتفنن في لبس البشت وهو لا يعرف منه سوى اسمه علما بأنه ليس بشيخ علم ولا بشيخ قوم ولا بذي حسب ولا نسب ، ومنهم من يتصدر المجالس مكانا وحديثا وعدم الاكتراث لمن هم أحق منه صاحبا وعلما وعرفا وسنا وجاها ، ومنهم من يسارع ويسابق أهل المناسبة وكبار السن كزواج أو عقد قِران أو عزيمة أو عيد وخلافها ، ومنهم من يذهب لمناسبة دون دعوة وعزيمة وعدم مراعاة لرجولة وأنفة وكرامة ، ويجندون بعضهم لخدمة بعض كتصوير وإجراء مقابلات ومن ثَمّ نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، علمًا بأننا نعرف بعضنا تمام المعرفة ، ونعلم سِيِر بعضنا ماضيًا وحاضرًا ، ونعيَ جيدًا الرجل التقي النقي ، والفضيل النبيل ، والشهم الكريم دون الحاجة للبس بشت ، أو حضور مناسبة وملاحقة ومسابقة الفلاشات ونشرها هنا وهناك ؛ ولا سيما أننا ومع هذا الانتشار المهول للتقنية وقبل انتشارها ندرك جليًا ومليًا من هو صاحب الماضي التليد والحاضر المجيد من عدمهما .
أما عن كيفية التخلص من هذه الآفة المجتمعية السامة فلم أجد سوى أن ” الدارسات العلمية تؤكد أن صاحبها بحاجة لإعادة تأهيل نفسي وسلوكي وروحي ؛ حيث يحتاج هذا المنحوس للتدرب على استراتيجية السلوك المضاد ” .
ختامًا ..
قال إمام أهل السُنَّة أحمد بن حنبل : ” أُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ فِي شِعْبٍ بِمَكَّةَ حَتَّى لاَ أُعرَفَ، قَدْ بُليتُ بِالشُّهرة، إِنِّي أَتَمنَّى المَوْتَ صَبَاحًا وَمساءً ” .
وقال إبراهيم النخعي والحسن البصري : ” كفى فتنة للمرء أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصمه الله “
وأقولُ :
يُخيّلُ إليَّ ويتراءى ، ويكأن السواد الأعظم من المجتمع أصبح هدفهم الرئيسي ، وطموحهم الأساسي ؛ اعزمني أعزمك ، وصورني أصورك دون الأخذ بالاعتبار لقرابةٍ أو دمٍ وصلة رحم ؟!
كل الشكر للتربوي الفاضل ومعلم الأجيال الاستاذ ضيف الله الذي وضع اصبعه على جرح يعاني منه المجتمع بحيث أصبح حب الظهور ظاهرة عالمية ولكنها على المجتمع الذي كنا نعرفه لم تكن موجودة أو في اسوء الأحوال كانت جداً محدودة ولكن جريان الاموال في الايدي وتوفر الوسائل المعينة لأصحاب عقدة حب الظهور جعلتهم يظهرون على السطح على هيئة فقاقيع صوتية ما تلبث أن تختفي فقاعة فتليها اختها وكل ذلك بسبب توفر الظروف المناسبة لظهورها وعدم وجود خطوات جادة القادة الاجتماعيين لكبحها ربما لانهم يرون اصحابها اتفه من أن ينشغلوا عما في ايديهم… نسال الله الحماية لمجتمعنا من كل الافات الإجتماعية الظارة…..