المقالات

السعودية : سياسة الفعل لا صخب الشعارات.

في ظل التحديات الجيو – سياسية التي تواجه المنطقة العربية، تروّج بعض الجهات، عبر صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، لفكرة مغلوطة مفادها أن المملكة العربية السعودية لا تدافع بما فيه الكفاية عن القضية الفلسطينية، ولا تُبالي بما يجري من صراعات في الإقليم، بالتالي كأنها تقف على هامش الأحداث بلا موقف او أثر أو حضور مناصر لقضية .
يستند هذا الطرح إلى حجّة ظاهرها سياسي، باطنها دعائي ،صحيح أن السعودية لا تُشعل المنابر بهتافات عاطفية، غير أن غياب الشعارات لا يعني غياب الدور .
فالمملكة، بدلًا من المزايدة والضجيج، اختارت أن تباشر مسؤوليتها بصمت نابع من ثقة و حكمة ، تقود مبادرات سياسية فاعلة، بعيدًا عن الشعبوية التي لا تخلّف سوى المزيد من الاحتقان.
دعمت المملكة الشعب الفلسطيني كما لم تدعمه اي جهة اخرى ، دعمت بكل ما توفر من امكانات ، عبر قنوات عديدة، أبرزها “مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية”، الذي حضر في الضفة الغربية وقطاع غزة، يُغيث ويُعالج ويوفّر الغذاء والدواء، دون تمييز أو انتظار شكر .
في مقابل تلك الاطرف التي تكتفي بالشعارات .
كانت المملكة تقدم الفعل، تبني العلاقات، تدير المفاوضات، مؤمنة بأن نصرة فلسطين لا تكون برفع الشعارات بل بمدّ اليد.
من يطلق هذا الاتهام، وإن قرأناه بحسن نية، فهو يجهل الحقائق ولا يتابع التفاصيل.
أميل إلى قراءة حسن النية، لا إلى الانجرار وراء خطاب المؤامرات، إيمانًا بأن لا مصلحة لأي مسلم في تشويه صورة هذا البلد الطيب العزيز ، الذي ظلّ، في مختلف المراحل، سندًا لأشقائه وداعمًا لقضاياهم.
هذه المقولة المتكرّرة على ألسنة من لا يدركون عمق التحركات السعودية، ولا يُتقنون لغة الأرقام والوقائع، تتهاوى أمام سجلّ زاخر بالمبادرات والمواقف التي اتخذتها المملكة خلال السنوات الأخيرة، ليس فقط بشأن فلسطين، بل إزاء مجمل الأزمات الإقليمية والدولية.
فالسعودية لا تحتاج إلى الترويج لدورها، لأنها تمارسه بالفعل، بحكمة وثبات، وبعيدًا عن الاحتقان والصخب.
من يتابع السياسة السعودية بتمعّن، يدرك أنها تبنّت، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، رؤية استراتيجية متكاملة لا تنحصر في الشأن الداخلي، بل تمتد إلى الفضاءين العربي والإقليمي.
رؤية تنطلق من إيمان راسخ بأن أمن المملكة لا ينفصل عن أمن المنطقة، وأن الحلول المستدامة لا تُبنى إلا على الحوار، والاستثمار في الاستقرار، ودعم المؤسسات الوطنية في الدول الشقيقة.
في القضية الفلسطينية، أثبتت المملكة، مرة بعد أخرى، أن التزامها ليس ظرفيًا ولا خاضعًا لحسابات ضيقة، بل هو موقف مبدئي صادق متجذر.
دعمت السعودية الشعب الفلسطيني سياسيًا واقتصاديًا، وتمسكت بمبادرة السلام العربية كخيار عادل وشامل، وكانت دائمًا في طليعة الدول التي تدافع عن القدس الشريف، وتتصدى لمحاولات التهويد والانتهاك، في كل المحافل الإقليمية والدولية.
وفي العراق، فتحت المملكة أبوابها لعلاقات جديدة قائمة على الاحترام المتبادل والتكامل الاقتصادي. فعّلت التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية، وساهمت في جهود إعادة الإعمار، وأسّست لشراكة مستقبلية تقوم على المصالح المشتركة.
لم يكن ذلك مجرد تقارب دبلوماسي، بل توجه استراتيجي هدفه إبعاد العراق عن دوائر النفوذ الخارجي وتمكينه من استعادة قراره الوطني.
أما في سوريا، فلم يكن الموقف السعودي يومًا ارتجاليًا أو عاطفيًا، بل انطلق من دعم ثابت للشعب السوري، وحرص على وحدة أرضه وسلامة مؤسساته.
دعمت المملكة كل المبادرات الدولية الساعية إلى تسوية سياسية عادلة، وكان “مركز الملك سلمان للإغاثة” أداة فاعلة في تقديم المساعدات الإنسانية، داخل المخيمات وخارجها، دون أجندات أو حسابات ضيقة.
وفي السودان، مع اشتداد الأزمة واحتدام القتال، كانت المملكة من أولى الدول التي دعت الفرقاء السودانيين للحوار، ورعت بالتعاون مع شركائها جهود الوساطة لوقف إطلاق النار وتأمين إيصال المساعدات الإنسانية.
كما فتحت أبوابها لآلاف اللاجئين، وقدّمت لهم الأمان والرعاية، في موقف يعكس البعد الإنساني العميق للسياسة السعودية.
ولا يمكن إغفال الجهد السعودي المتواصل لضمان أمن الحجاج والمعتمرين، في عالم تعصف به توترات صحية وسياسية متلاحقة. فتسيير موسم الحج بهذه الدقة والتنظيم، هو في حد ذاته رسالة بأن المملكة ترى في خدمة الحرمين واجبًا وطنيًا وإنسانيًا وأخلاقيًا، وتبذل لأجله الغالي والنفيس لضمان راحة ضيوف الرحمن وسلامتهم.
إن رؤية المملكة في التعامل مع قضايا المنطقة ليست ردود أفعال عابرة، ولا ترفًا دبلوماسيًا، بل خيار استراتيجي نابع من إدراك عميق لتعقيدات الجغرافيا السياسية، ومن حرص على تجنيب المنطقة الانهيارات الكبرى التي قد تهدد الجميع. فالسعودية لا تسعى إلى الهيمنة، بل إلى الشراكة؛ ولا تركض خلف المكاسب السريعة، بل تستثمر في أمن طويل المدى يعود بالنفع على شعوب المنطقة.
إنها دبلوماسية الأفعال لا الأقوال، ودولة تقود من موقع المسؤولية، لا من موقع الادعاء. ومن يروّج لمزاعم الغياب السعودي عن قضايا المنطقة، إما أنه لا يقرأ الوقائع، أو يرفض الاعتراف بأن المملكة باتت اليوم مرجعية للاستقرار، وركيزة للسلام، وراعية لحوار عربي لا يمكن تجاوزه.
وإذ تمضي السعودية في رؤيتها، فإنها تؤكد أن صوت الحكمة و العقل لا يحتاج إلى صخب، بل يكفي أن يكون صادقًا، امينا ، واضحًا، وفاعلًا في زمن كثر فيه الصراخ وقلّ فيه الفعل.

حذامي محبوب

صحفية تونسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى