في خريطة الجمال العربي، تبرز مدينتان تحملان من السحر ما يكفي ليُكتب عنه الشعر وتُقام من أجله المهرجانات: واحة سيوة في أقصى غرب مصر، ومدينة الطائف في أعالي جبال الحجاز. وبين الصحراء التي تختزن السر، والجبل الذي يعلو بالبهاء، تنسج هاتان المدينتان معاً قصيدة طبيعية باذخة تُلهِم الروح وتُنعش الحواس.
سيوة، تلك الواحة المخبأة بين كثبان الرمال، تفاجئ زائرها بعالم من الخصب والسكينة. هنا، النخيل الباسق يغني للماء، وعيون المياه العذبة تنساب رقراقة وسط صمت الصحراء. تمرها الشهير وزيتونها الأصيل وملحها العلاجي ليست مجرد خيرات طبيعية، بل إرث متجذر في وجدان أهلها. وعلى أطرافها، تهمس جدران معبد آمون بحكايات الإسكندر الأكبر، وكأن الزمان توقف ليروي تاريخاً لا يُنسى. في سيوة، التاريخ يهمس من بين جدران الآثار، ويتناثر من ملامح البيوت الطينية القديمة، وتنساب الحكايات في جلسات السكون تحت ظلال النخيل، حيث الماء والنور والروح يتآلفون في حضرة الجمال الخالد.
أما الطائف، فجر دائم على جبين الجبال، ومصيف تتنفس فيه الروح هواءً عليلاً محملاً بعطر الورود. إنها مدينة تطل على الغيم، وتغفو على نسائم الصيف الباردة، وتفاخر بمهرجانها السنوي الذي يحوّل الورود إلى عطر، والعبق إلى احتفال. الطائف ليست مجرد مدينة عابرة، بل ملهمة الشعراء، ومهوى أفئدة المتذوقين. في مهرجان الورد الطائفي، تتجلى عبقرية المكان وروعة الإنسان، وتتمازج الألوان بالعطور في مشهد باذخ يأسر القلوب. وردها الدمشقي الذي يملأ الحقول يُقطف بعناية، ويُقطّر بتقنية، ليكون للعالم رسالة حب من الطبيعة العربية.
سيوة والطائف، سكينة الصحراء وأناقة الجبل. الأولى تخبئ سرّ الحياة في ينابيعها وهدوئها المتأمل، والثانية تباهي السماء بعبيرها وعلو مقامها. كلاهما مرآة للطبيعة، ومصدر للفن، وموئل للجمال العربي الأصيل

0