
جمعان البشيري
نرفع في البداية أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى اللجنة المكلفة بمشروع توثيق البطولات السعودية، تقديرًا للجهود العظيمة والمخلصة التي بُذلت في سبيل إخراج هذا المشروع الوطني المهم إلى النور. هذا العمل التاريخي يُعدّ خطوة مفصلية في مسيرة الرياضة السعودية، ويستحق كل إشادة وتقدير.
منذ بداياتها في خمسينيات القرن الماضي، رسمت الكرة السعودية ملامح قصة رياضية ملهمة، حملت معها طموحات جيل بعد جيل. من الأحياء الشعبية إلى المحافل القارية والدولية، سجّلت الأندية والمنتخبات الوطنية إنجازات بارزة لا تُنسى، أبرزها التتويج بكأس آسيا ثلاث مرات، والمشاركة في ست نسخ من كأس العالم. ومع تراكم هذه الإنجازات، ظلّ التوثيق التاريخي ناقصًا في بعض المحطات، ما يبرز الحاجة الملحة إلى تأريخ هذا الإرث الكروي رسميًا. ومن هنا تبدأ الحكاية.
فتوثيق البطولات ليس رفاهية رياضية، بل ضرورة وطنية. إنه الذي يحفظ التاريخ من الضياع، ويضع حدًا للخلافات الجماهيرية المزمنة، ويمنح الأندية واللاعبين حقوقهم المعنوية والمادية. كما يُسهم التوثيق في ترسيخ الثقافة المؤسسية داخل الأندية، ويشكّل مرجعًا للأجيال الجديدة من الإعلاميين والرياضيين والباحثين.
ويُعدّ مشروع التوثيق شرطًا أساسيًا للاستثمار وتخصيص الأندية في ظل رؤية السعودية 2030، حيث تتجه الدولة بخطى واثقة نحو خصخصة الأندية، وتحويل القطاع الرياضي إلى صناعة مستدامة. ومن دون توثيق دقيق للبطولات والإنجازات، لن تكون هناك قيمة رقمية واضحة لتلك الكيانات. فكل بطولة موثقة ترفع من قيمة النادي السوقية، وتمنح المستثمرين ثقة أكبر في عدالة التقييم وجدوى الاستثمار.
اليوم، ومع التوثيق الرقمي وتوظيف التقنية المحوكمة، لم يعد التوثيق مجرد أرشفة ورقية، بل أصبح يعتمد على قواعد بيانات رقمية متطورة، مدعومة بتكامل مع الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. ومن شأن هذه التقنيات أن تجعل التوثيق أكثر دقة، وسهل الوصول، وتفاعليًا عبر التطبيقات والمنصات الرسمية، مما يعزز من شعبية الأندية ويرفع من قيمة المحتوى الرياضي الوطني.
ولا شك أن هناك علاقة وثيقة بين التوثيق والهوية الرياضية؛ فلكل نادٍ وجماهيره قصة يفخرون بها، ويأتي توثيق البطولات ليحفظ هذه الهوية. إنه بمثابة شهادة ميلاد للمنجز، وسجل يُروى للأجيال القادمة. ومن خلال التوثيق، لا يمكن تجاهل أو نسيان اللحظات التاريخية، وتُحترم ذاكرة الملاعب، وتبقى الأسماء التي صنعت المجد حاضرة في الوعي الوطني.
كما يُمثّل التوثيق جسرًا للاعتراف الدولي وتنظيم البطولات؛ فعندما تُسجّل البطولات المحلية في سجلات الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحاد الآسيوي، تزداد الكرة السعودية حضورًا ومصداقية على المستوى العالمي. وهذا الاعتراف ضروري للمضي قدمًا نحو تنظيم بطولات كبرى مثل كأس العالم، وأولمبياد الرياضة، وجعل المملكة مركزًا رياضيًا عالميًا ومقصدًا للاستثمارات والبطولات الكبرى.
من هنا يأتي دور الإعلام كشريكٍ استراتيجيًا في نشرِ ثقافة التوثيق، وتسليطُ الضوءُ على أهميته، والتأكيد على ضرورةِ مراجعة السجلات التاريخية بدقة وحياد. كما يمكن أن يسهم الإعلام في بناء رأي عام مساند للمشروع، وتفنيد الشائعات أو التحيزات التي تعيق مسيرة التوثيق المهني والمؤسسي.
وأخيرًا: إن مشروع توثيق البطولات ليس مجرد أرشيف، بل هو حجر الأساس لبناء منظومة رياضية حديثة، تستند إلى الشفافية، وتفتح الأبواب أمام الاستثمار، وتعزز من الحضور الدولي. إنها دعوة لحفظ التاريخ، وكتابة المستقبل بخطى واثقة ورؤية واضحة، نحو رياضة سعودية عالمية.